لا إضراب لموظفي أوجيرو، ولكنّ الأمور ليست على ما يرام في المؤسسة المسؤولة عن وصل لبنان بالعالم، سواء عبر الإنترنت أو الاتصالات الهاتفية. هذه حصيلة مؤتمر صحافي للهيئة التنفيذية لنقابة موظفي أوجيرو أمس، وخلاله أعلنت النقابة مطالب أبعد من تحسين الأجور، مشدّدة على «تحرير موازنة أوجيرو، وفكّ ارتباطها بوزارتي المالية والاتصالات، لأن الروتين الإداري قاتل ومرهق» بحسب ما قالت نقيبة الموظفين إميلي نصّار. وأشارت إلى أنه «في حال استمرّت الأمور على ما هي عليه لناحية الشحّ وتقطير الأموال اللازمة للصيانة والتشغيل ودفع الرواتب، فهذا سيؤدي إلى نهايتنا. أوجيرو لا تجبي ولا تقتطع أموالاً، وكل عائداتها تذهب إلى المالية مباشرةً».في عصر السرعة والاتصالات وحزم الإنترنت العريضة، اختارت السلطة السياسية محاصرة أوجيرو وضربها بكل الوسائل الممكنة، وحتى التمييز في التعامل بين موظفيها وموظفي شركات الخلوي «ألفا وتاتش». أجور العاملين والمستخدمين في أوجيرو هي الأقل بين شركات الاتصالات في لبنان، ولم تصل إلى حدود 40% مما كانت عليه قبل عام 2019، رغم الزيادات. ومنشآتها تُستخدم من كلّ الشركات الخاصة لتوزيع الإنترنت من دون أن تحصل على أي مقابل. كما أن صيانة أو تشغيل أيّ مرفق من مرافقها يتطلب معاملات إدارية لا تنتهي، تبدأ من أروقة المؤسسة، وتذهب في تسلسل إداري مملّ وبطيء إلى وزارتي الاتصالات والمالية للحصول على الموافقة وتحويل الأموال. وفي وقت الانتظار هذا تخسر المؤسسة زبائنها لصالح الشركات الخاصة التي تبيع الإنترنت بأضعاف أسعار أوجيرو وبالعملة الأجنبية رغم أن الشركات تدفع أثماناً بخسةً بدل الإنترنت الشرعي، مثل «دفع مبلغ 474 ألف ليرة شهرياً على بدل خط إنترنت من أوجيرو، يقوم صاحب الاشتراك فيه بتقسيمه 40 خطاً، ويتقاضى على كلّ منها 20 دولاراً شهرياً، وهذا يجري بعلم وزارة الاتصالات التي لا تحرّك ساكناً»، يقول أحد العاملين في أوجيرو.
أمام هذا المشهد، تحرّكت النقابة أمس، وأعلنت نيّتها الذهاب إلى المواجهة مع الحكومة للحفاظ على المؤسسة. الدولة، من وجهة نظر نقابة موظفي أوجيرو، تتعمّد تدمير المؤسسة عبر حرمانهم من الموازنات، ثمّ «تنتقد العاملين على ما يقدّمونه من خدمات باللحم الحي»، تقول نصّار. فعلى سبيل المثال «الكوابل اللازمة لصيانة السنترالات مفقودة من مستودعات الهيئة بسبب عدم وجود اعتمادات، والمولّدات تالفة، من دون التمكن من استبدالها، وما حصل في سنترال فتقا خير دليل على ذلك، كما أنّ العديد من الآليات متوقّفة عن السير، والأموال المطلوبة لصيانتها غير متوفرة، والصيانة تتم على عاتق الموظفين، حتى السرقات التي تتعرض لها الشبكة تكلّف الخزينة، وتُحسم من أموال الاستثمار وتطوير الشبكة»، بحسب نصّار.
وفي المقابل، زيادة قيمة الفاتورة الهاتفية وقعت حصراً على كاهل المواطنين، في حين «القضم مستمر في الموازنة المخصّصة للصيانة والتشغيل والأجور»، علماً أنّ الشركات الخاصة ترفع أرباحها من بيع الإنترنت الذي تزودها به أوجيرو من دون إعطاء الخزينة أي مبالغ مالية. وهنا سأل عاملون في أوجيرو عن سبب تعمّد الدولة وإداراتها حرمان المؤسسة، وهل أوجيرو باب لتقديم الأموال للشركات الخاصة على حسب الدولة؟ ومن المستفيد من تقييد أوجيرو وحرمانها من هامش الحركة، وبالتالي إفلاس القطاع؟
وحول رواتب وأجور العاملين في أوجيرو، ذكّرت نصار بـ«استمرار العاملين في أوجيرو بتأدية خدماتهم في أشدّ ساعات الانهيار، رغم تهاوي قيمة رواتبهم، ولم يلجأوا إلى الإضراب»، معيدةً السبب في ذلك إلى «رغبة النقابة في الحفاظ على المؤسسة». أما الآن، وبعد عودة القطاع لضخّ الأموال في الخزينة «سنعود إلى الكفاح لينال كلّ أجير حقّه، وكلّ مورّد ثمن بضاعته» تقول نصّار، وأن يكون المواطن صاحب الحق في الحصول على حقوقه بخدمات جيدة.
وعلى عكس التطمينات الصادرة عن نقابتهم، هدّد العاملون بالدفع نحو الإضراب، والتصعيد إلى أبعد الحدود، واعدين بـ«تحمل المسؤولية». الشركات الخاصة بالنسبة إلى العمال «ورقية ووهمية، كل ما لديها تأخذه من ممتلكات أوجيرو، من مولّدات وخطوط اتصالات وحتى إنّها تحجز أمكنة على أعمدة الاتصالات من دون مقابل»، وفي حال وقوع أعطال، «نصلح الأضرار بلا أتعاب، في النهاية هم يحصلون على الدولارات»، يقول العمال الذين حمّلوا الدولة مسؤولية أوجيرو ووضعها، واصفين الشركات بـ«الطفيلية التي تأخذ ولا تدفع لذا تقدّم أسعاراً أرخص من أوجيرو».
من جهة ثانية، أثارت الدعوات إلى الإضراب، أو حتى التهديد بالتحركات حفيظة بعض العاملين في أوجيرو. من وجهة نظرهم «الشركات الخاصة تبتلع قطاع الإنترنت، وأعداد المشتركين مع أوجيرو تتضاءل». وبالنسبة إليهم «كل إضراب وخضّة يعنيان خروج أعداد إضافية من المشتركين»، متسائلين عن هوية القائل بأنّ هناك اتجاهاً لتصفية المؤسّسة. يجيبون: «وزير الاتصالات جوني القرم يمدّ خطوطاً داخل أوجيرو لتحجيم خدماتها ومحاصرتها، ودفع العاملين فيها إلى الخطوات التصعيدية». الوزارة تعرف تماماً هوية أصحاب موزّعي شبكات الإنترنت المسروق من أوجيرو، وتعرف أعداد المشتركين معهم التي تضخّمت لدرجة أصبحت بديلة عن الشبكة الثابتة، ومشابهة لوضع المولدات الكهربائية، ولكنها متواطئة، ولا تردعهم ولا تدعم أوجيرو.
شراكة مع مورّدي المازوت!
يؤكد فنيون في أوجيرو «أنّ فاتورة الكهرباء تشكّل القسم الأكبر من فاتورة الاتصالات في لبنان». ولكن، بالنسبة إليهم، وزارة الاتصالات لا تسعى للتخفيف من الفاتورة وتحسين جودة الاتصالات، متسائلين «أين أصبح الاقتراح الصيني بتأمين هبة لتركيب ألواح شمسية لتشغيل السنترالات الصغيرة؟ لا نسمع سوى عن اجتماعات ودراسات رغم أنّ الأمور التقنية بسيطة ومعروفة». لذا، ومن وجهة نظرهم، ما يؤخّر أو يمنع تنفيذ هذا المشروع هو شراكة بين النافذين في وزارة الاتصالات ومورّدي المازوت إلى أوجيرو، فأغلب قيمة الفاتورة التي تُدفع هو للمولّدات.