كان يفترض أن تنتهي اليوم عقود موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع وزارات الدولة اللبنانية. فوفقاً لقرار أعدّه وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، تمّ التمديد لعقود الموظفين سنة إضافية… لكن مع تغيير جذري: التعاقد مع الوزارات مباشرة وبالليرة اللبنانية
قبل يوم واحد من انتهاء عقود موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أعادت الدولة اللبنانية التجديد لهؤلاء (عددهم نحو 150) في مختلف الوزارات لمدة عام. جرى ذلك تحت عنوان «إجراء عقود استثنائية»، بطلب من وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني وبموافقة رئيسَي الجمهورية والحكومة ميشال عون وحسان دياب. هكذا، تبقى «دولة الـ UNDP» داخل الدولة اللبنانية، لكن مع التحاق هؤلاء بـ«قافلة» موظفي القطاع العام، إذ إن «العقود الاستثنائية» ستُوقّعها الوزارة مع الموظفين، لا مع إدارة الأمم المتحدة، ما يعني انتهاء برنامج الأمم المتحدة في مؤسسات الدولة اللبنانية بشكله السابق القائم منذ التسعينيات، وبالتالي لم يعد لإدارة البرنامج أي سلطة على الموظفين الذين عيّنتهم سابقاً. وفي معلومات «الأخبار» أن «الأمم المتحدة كانت متحمسة لفسخ العقود مع الدولة أكثر من الدولة نفسها، ولا سيما بعد إبلاغها تحويل الرواتب من الدولار الى الليرة لعدم قدرة الخزينة على تسديدها بالصيغة السابقة. وقد بادرت مديرة البرنامج الى تهنئة وزني على هذا القرار».
ومعلوم أن إنهاء هذه المشاريع كان في صلب أولويات حكومة دياب، وقد اتخذ هذا القرار استناداً الى دراسة (راجع الأخبار) أجريت في مختلف الوزارات بشأن الرواتب والفعالية، وخلصت الى نتائج سلبية. إذ «إن موظفي الأمم المتحدة يتقاضون رواتب مرتفعة بالدولار خلافاً لموظفي الدولة في المؤسسة نفسها الذين يتقاضون رواتب منخفضة بالليرة اللبنانية، وقد أدى هذا التفاوت الى إحباط القطاع العام وخفض إنتاجيته». المشكلة الثانية تمثّلت بتمويل الحكومة نحو 90% من مصاريف البرامج المعدّة للوزارات تحت مسمّيات عدة. لذلك كان لا بدّ من حسم هذه المسألة، وتم إيجاد مخرج ليبقى الموظفون في وظائفهم مع نقل عقودهم الى الوزارات. فالاعتمادات المرصودة ضمن موازنة 2020 ومن ضمنها رواتب الموظفين لن تتغير لأنها مرصودة بالليرة. إلا أن رواتب الموظفين هي التي ستنخفض لأنه سيتم صرفها وفق سعر صرف يعادل 1500 ليرة للدولار، وبالتالي من كان راتبه ألفَي دولار، سيتقاضى 3 ملايين ليرة فقط لا غير. لذلك، يتوقع بعض الوزراء أن يؤثر هذا التغيير على بعض الموظفين الذين سيختارون البحث عن فرص عمل أفضل. لكن، من جهة أخرى، تفتح هذه «العقود الاستثنائية» الباب واسعاً أمام الاستنسابية، إذ إنها مرهونة بقرار الوزير المعني الذي يمكنه التجديد لموظف واحد أو عشرة بحسب ما يراه مناسباً ووفق حاجة مؤسسته.
«العقود الاستثنائية» مقدّمة لتثبيت من يشكّلون حاجة ماسّة للإدارة
ولا يتعارض التجديد مع دخول الحكومة في فترة تصريف الأعمال «طالما أن القرار اتخذ قبل نفاد المهلة أي تاريخ 15 أيلول، وبالتالي التجديد يسري مباشرة». وربما يكون هذا الأمر مقدمة لتثبيت من يشكلون حاجة فعلية للمؤسسة. فالسبب الرئيسي وراء تمديد العقود يكمن في عدم قدرة الوزارات على تسيير معاملاتها ومواقعها الإلكترونية ومشاريعها وأنظمة المكننة من دونهم. إذ إن برامج الأمم المتحدة الهادفة أساساً الى إعادة تطوير قدرات الإدارات العامة المهترئة بفعل الحرب الأهلية وبفترة زمنية تقارب الثلاث سنوات، انتهت الى حلول المدربين مكان موظفي الوزارات وتمديد البرامج لعشرات السنوات. وسواء كان ذلك منظّماً أو يدخل ضمن «الإهمال الوظيفي»، بات موظفو الأمم المتحدة حاجة للمؤسسات التي يعملون فيها، وشكّلوا الرافد الأساسي لوزارات كالمالية، من خلال العمل في حفظ خدمة الضرائب وتشغيلها إلكترونياً، وفي وزارة التنمية الإدارية التي يقتصر جهازها الإداري على موظفي الأمم المتحدة. والسبحة تكرّ من وزارة البيئة الى السياحة، فالخارجية والداخلية والاقتصاد وغيرها، علماً بأن هناك رأياً بأن نجاح المشاريع كان سيتمثّل بإنهاء مهمات الموظفين بعد 3 سنوات، كما حددت إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بداية، وما تمديد البرنامج مراراً وتكراراً إلا دليل على الفشل وعلى عدم الرغبة في تنفيذ الغاية الأساسية من التغلغل في إدارات الدولة.