«مُتعهّدو الجمهورية» هجروها: تهافت على مشاريع «الفريش» فقط

«ما بقا يدقّ تلفوني»، يقول أحد الوزراء السابقين وهو يُخبر كيف كان يتلقى في اليوم الواحد عشرات الاتصالات من مُتعهدين يُريدون «تزفيت طريق أو حفر بئر أو مدّ كابلات»، فيما باتوا اليوم «يهربون» من مشاريع الدولة. وزارة الأشغال العامة والنقل – بصفتها «المَنجم» الرئيسي للمُتعهدين، تكاد تخلو من حاملي الطلبات. لا ينطبق ذلك على «شريكها» الآخر في التعهدات، مجلس الإنماء والإعمار، الذي لا يتوقّف العمل لديه، لكون المشاريع التي يُنفّذها مُموّلة من صناديق ودول أجنبية، وبالتالي تُدفع بالدولار. وهنا لُبّ المشكلة: انهيار سعر العملة الوطنية، وارتفاع الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من 12 ألف ليرة، دفع بالمُتعهدين إلى إعادة حسابات الربح والخسارة لديهم. الطرقات اللبنانية تحوّلت فعلياً إلى «خنادق». بعض الحُفر يعود أقلّه إلى شتاء 2019، من دون أن يجد من «يُسكّجه».

صحيحٌ أنّ أزمة النقد، التي تسبّبت فيها الحكومات المتعاقبة ومصرف لبنان، فرضت إيقاعها على الوضع، ولكن بعد قرابة سنتين على الانهيار لم تبحث الحكومة عن حلول بديلة. قبل ذلك، ولسنوات، سادت عقلية تسويق التقشّف في النفقات الاستثمارية كأداة للحدّ من العجز. فبين عامَي 1992 و2017، «بلغ متوسّط الإنفاق الاستثماري العامّ نحو 600 مليون دولار سنوياً، ما يعني أن الدولة لم تنفق سوى 150 دولاراً على الفرد سنوياً في مجالات تجهيز البنية التحتية والخدمات العامّة. وأنجز مجلس الإنماء والإعمار مشاريع بقيمة 10.3 مليارات دولار، وهناك مشاريع لا تزال قيد التنفيذ بقيمة 4.5 مليارات دولار».

80 مناقصة – بين كانون الثاني 2020 وآذار 2021 – لم تستطِع إدارة المناقصات تلزيمها لعدم اشتراك أي عارض فيها، من دون احتساب المناقصات التي تقدّم إليها عارض وحيد، ما يعني أيضاً طلب إعادتها… حتّى الورقة البيضاء في إدارات الدولة «انقطعت»، لأنّ أحداً من التجّار لا يقبل بيعها بالليرة. ومن هذا المستوى، تتدرّج «مقاطعة» المُتعهدين للاستثمارات العامة، فتطال كلّ مفاصل الدولة: شراء بنزين ومازوت، بيع قطع غيار، جمع النفايات ونقلها ومعالجتها، أدوية وشتول زراعية، قرطاسية، تنظيف وتأهيل شبكات تصريف مياه الأمطار والمجاري الصحية، صيانة أجهزة، تأهيل الطرقات، حفر آبار، ترميم مبانٍ، تأهيل مرفأ وصيانته.

يرفض المُتعهدون إنجاز أعمالٍ لصالح القطاع العام، لأنّ الفواتير تُنظّم وفق سعر 1507 ليرات لكلّ دولار، في حين تخطّى سعر صرف الدولار في السوق السوداء الـ 12 ألف ليرة، وبالتالي لم تعُد المشاريع بالنسبة إليهم «ربّيحة». انقلب المُتعهدون على الدولة اللبنانية، بعد أن كانت لسنوات بقرتهم الحلوب، يتسابق أكثريتهم للنهل من مشاريعها، وتحديداً المحظيين بينهم الذين كانت تُفَصَّل المناقصات على قياس شركاتهم، فيُراكمون ثروات خاصة من المال العام.

يقول رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية، مارون حلو، إنّه منذ سنوات «قُلّصت موازنات الوزارات واقتصرت أعمالها على الأمور التشغيلية لا الاستثمارية. قسراً، توقّفت مشاريع القطاع العام، «وكان يُنفّذ ما له ضرورة حصراً، فأخذت طابعاً سياسياً بامتياز، خُصّصت لنواب وسياسيين أرادوا خدمة مناطقهم». انطلاقاً من هنا، يتحدّث حلو عن اتصال بينه وبين رئيس لجنة الأشغال النيابية نزيه نجم، الذي «أبلغنا نيّته الإعداد لاجتماع نبحث في خلاله الوضع، لأنّه لا يجوز أن يبقى البلد من دون تعهدات وأشغال. وقد يتم تحديد سعر صرف مع سُلّم مُتحرّك».

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقةشورى الدولة يجمّد العمل بمنصّة الـ 3900: الودائع لن تُدفع بالدولار
المقالة القادمة«المركزي» يبحث اليوم في «رشوة» سلامة