قد تكون المُفاوضات مع “صُندوق النّقد الدّوليّ” وُضِعَت في الثلّاجة حتّى إِشعارٍ آخَر، في ضَوْء ارتفاع لَهيب الدّولار أَكثر بعد الانتخابات النّيابيّة، على ما توقّعَت الأَوساط الماليّة المُراقِبة، ما يعني حُكمًا بدايةً مُلتهبةً للمجلس النّيابيّ الجديد، قد لا تخلو مِن دُخول المجلس الحديث الولادة، في منطقة الخطَر الشّديد، بدلًا مِن دُخوله في “الحاضِنة” لاكتمال نُموّه!.
فقد أَبدت أَوساطٌ سياسيّةٌ مُطّلعةٌ “تخوُّفها”، مِن المَنْحى الّذي يُمكن أَن يتّخذه سعر الدّولار بعد الانتخابات النّيابيّة، لافتةً إِلى أَنّ “مصرف لبنان ما زال يتدخّل لمنع انفلات السّعر ولإِبقائه ضمن الهامش الّذي يتراوح بَيْن 25 و30 أَلف ليرةٍ”، بناءً على طلبٍ مِن “بعض النّافذين في السُّلطة”.
وتخشى الأَوساط أَن يعود الدُّولار إِلى الارتفاع “غير المَضْبوط” الّذي قد يُمهّد للانفجار الكبير بعد 15 أَيّار الجاري…
وفي الانتظار، ومع حَبْس الأَنفاس، ثمّة “تنفيسةٌ” غذائيّةٌ حملتها إِلى اللُبنانيّين، بداية الأُسبوع الجاري، في الشّأن الغذائيّ، وتجسّدَت في “مُوافَقة البنك الدّوليّ على القرض الطّارئ للقمح”، على ما أَعلن الاثنَين، وزير الاقتصاد والتّجارة أَمين سلام، مُؤَكّدًا تسلُّمه “مِن مجلس إِدارة البنك الدّوليّ، المُوافقَة الرّسميّة على القرض الطّارئ لدعم استيراد القمح”…
ولكن، ما العراقيل الّتي ما زالت تُشكّل حجر عثرةٍ، في دَرْب المُفاوضات مع “البنك الدّوليّ” و”صُندوق النّقد”، إِضافةً إِلى بندَي “المُوازَنَة” و”الكابيتال كُونترول”، اللّذَين كُنّا أَشرنا إِليهما في المقالة السّابقة على مَوقع “النّشرة” الثّلاثاء الماضي؟.
إِنّ لقانون “الكابيتال كونترول” تعديلاتٍ ينبغي أَن تُلازمَه، ومِنْها ما يتّصل بـ”قانون السريّة المصرفيّة”، و”قانون إِعادة هَيْكلة المصارف”، الّذي تسعى الحُكومة إِلى إِحالته على مجلس النُوّاب قبل الانتخابات المُقبلة…
وفي سياق السريّة المصرفيّة، فقد أَثبتَت التّجربة في لُبنان، أَنّ أَيّ قانونٍ لا يُطبّق بكُلّ بُنوده، فإِنّه يُشبه في تعطيل بعض البُنود، تعطُّل قطعةٍ ميكانيكيّةٍ، تتسبّب إِذا ما أُهمِل إِصلاحُها، بتعطيل قطعةٍ ميكانيكيّةٍ أُخرى على الأَقلّ!.
وهذا ما حدث لقانون السريّة المصرفيّة، الّذي أَبصَر النُّور في 3/9/1956، وقد جاء فيه أَنّ مُديري المصارف ومُستخدَميها “… يُلزَمون بكتمان السرّ إطلاقًا لمصلحة زبائن هذه المصارف”… (المادّة 2).
بَيْد أَنّ تعطيل العمل بالمادّة السّابعة -ومِن دون الدُّخول في المسؤُوليّة عن التّعطيل- قد أَضرّ بالقانون برُمّته!. وتنصّ المادّة السّابعة على: “لا يُمكن للمصارف… أَن تتذرّع بسرّ المهنة، المنصوص عليه في هذا القانون، في شأن الطّلبات الّتي توجّهُها السُّلطات القضائيّة، في دعوى الإِثراء غير المشروع، المُقامة بموجَب المرسوم الاشتراعيّ رقم 38، تاريخ 18 شباط سنة 1953، وقانون 14 نيسان سنة 1954”.
ومِن القانون إِلى الواقع، في لُبنان اليوم، حَيْث إِنّ الإِثراء غير المشروع “على قَفا مين يشيل”… ولكنّ المادّة السّابعة ما زالت على الرفّ يتآكلُها غُبار الزّمن الرّديء!.
وفي تعطيل العَمَل بالمادّة السّابعة ما يُتلف الاقتصاد برُمّته، ولا يقف بالتّالي عند حُدود تطيير قانون السريّة المصرفيّة وحسب!.
ومِن ثمّ فقد انتفَتْ كُلّ مُبرّرات السّير في هذا القانون، بعدما عادَت الرّساميل الأَجنبيّة الّتي كانَتْ “محشورةً” في المصارف اللُبنانيّة أَدراجها، واصطحبت معها مُدّخرات طبقةٍ، كانت حتّى الأَمس القريب وسطى، فصارت اليَوْم في مرتبة “الفقر المُدقِع”!.
ولقانون هيكلة المصارف صلةٌ..