نقيب المهندسين: هل تكفي شركة واحدة لمسح كل الأضرار؟ إعادة الإعمار تتم بعشوائية

الكثير من الأسئلة والملاحظات التي يضعها نقيب المهندسين في بيروت، فادي حنا، على طاولة مشروع «إعادة الإعمار»، الذي تأخّر انطلاقه، ولا بوادر لتسريعه بعد؛ فهل يكفي أن تُكلَّف شركةٌ واحدة بمسح الأضرار؟ كيف سنتعامل مع الردم بكل ما فيه من مواد ضارّة؟ أين سنذهب به؟ هذه بعض الأسئلة التي تضاف إليها هواجس مرتبطة بترسيخ الهوية الاجتماعية للمناطق المدمّرة وفرص التحسين فيها، وبتشغيل المهندسين اللبنانيين والشركات اللبنانية في هذا المشروع الضخم الذي تحاول النقابة الانخراط فيه بشكل جدّي

رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على نهاية العدوان الصهيوني على لبنان، إلا أن مشروع إعادة الإعمار يبدو متعثّراً، نسبياً، على المستوى الرسمي. قد تُطلق الكثير من المبرّرات لتأخير كهذا، مثل غياب التمويل الخارجي، وعجز الخزينة الغارقة في دين بالعملة الأجنبية يتجاوز مع فوائده 50 مليار دولار، وفوقها مصرف لبنان المتعثّر بديون للمصارف تفوق 80 مليار دولار، لكن لا توجد مؤشرات على انخراط رسمي واسع في التحضير لهذا المشروع، وكأن هناك من ينتظر مهلة الستين يوماً التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار. صحيح أن الحكومة عقدت اجتماعاً في مدينة صور واتّخذت مجموعة من القرارات ذات الصلة، غير أن أهمّها كان يتعلق بتخصيص 44 مليون دولار لمجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة، للمباشرة بمسح الأضرار ورفع الأنقاض، أي ما يوازي 0.86% من مجموع تقديرات الأضرار المباشرة التي قدّرها البنك الدولي قبل أسبوع من نهاية الحرب! ويُقاس على ذلك أيضاً، أنه ليست هناك آلية واضحة للمباشرة في الجزء الأول والأسهل من المشروع، أي مسح الأضرار وإزالة الردم، وكأن الأمر متروك على عاتق حزب الله وحده.

باستثناء ما يقوم به حزب الله، تبدو بدايات هذا المشروع غير مطمئنة قياساً على المهمّة المطلوب القيام بها. يقول نقيب المهندسين في بيروت، فادي حنّا، إن حجم الدمار المنتشر في مناطق عدّة من الجنوب والبقاع وبيروت مع ضاحيتها الجنوبية، يشمل 417 مبنى في الضاحية، وأضعافاً في الجنوب والبقاع، لذا يسأل: «هل تكفي شركة واحدة للقيام بأعمال المسح؟ السؤال المطروح يتعلق بقدرات هذه الشركة التي جرى تكليفها وحصلت في المقابل على مليون ونصف مليون دولار للقيام بالمسح. كم من مهندس مسجّل في هذه الشركة في مقابل العدد المطلوب للقيام بالمسح في كل المناطق اللبنانية التي تعرّضت للتدمير؟».

في الواقع، لم تعلن الدولة، لغاية الآن، أي خطة لإعادة الإعمار. ورغم أن الحرب بدأت بتوتر منخفض في 8 تشرين الأول 2023، إلا أن السلطة لم تتحضّر أبداً لليوم التالي على صعيد إعادة الإعمار. وحتى عندما اندلعت المعركة الكبرى في 23 أيلول 2024، وبدأت ملامح النكبة تظهر بوضوح على البنية العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، لم تظهر السلطة أنها تعتزم التعامل مع كارثة بهذا الحجم. فحتى الآن، يبدو أن التدمير يشمل أكثر من 50 ألف وحدة سكنية ضمن بقع انتشار جغرافي مترامية الأطراف. لذا، يبدو أن برودة السلطة في التعامل مع الكارثة تعبّر عن سلوك نموذجي للإنكار والتبسيط والتقصير. رغم ذلك، يفضّل النقيب حنّا، وفق تكنوقراطية المهندس، أن تكون نقطة الانطلاق على شكل أسئلة متصلة بفرص انخراط نقابة المهندسين في «معركة» الإعمار. فمن موقعه النقابي، يدرك فداحة الخسائر وآليات التعامل معها بناءً على تجربة عدوان تموز 2006. فقد شكّلت النقابة لجنة طوارئ تواصلت مع وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية والمحافظين والبلديات في المناطق الأساسية مثل بيروت والضاحية، معربة عن استعدادها للعمل والكشف على الأضرار. إلا أن النقابة فوجئت بغياب أي خطّة مسبقة. «المشكلة الأساسية تكمن في وجود لجنة طوارئ لا تخطّط، علماً أن إعادة الإعمار حتمية». فلو كان هناك تخطيط مسبق للإعمار «كان يجب، على سبيل المثال، استقدام المعدات التي لا توجد حالياً في لبنان وتحتاج إلى وقت لاستقدامها. التخطيط يهدف إلى استباق المخاطر واستشراف الحاجات». أيضاً، كان يفترض أن يكون واضحاً على طاولة التخطيط المسبق، بأنه يجب النظر إلى الوضع البيئي المرتبط بالأنقاض ورفعها وفرز المواد التي تتضمّنها… أما الآن، فقد فقدنا ميزة التخطيط المسبق واصطدمنا بالواقع».

والاهتمام البيئي المرتبط بالردم، مصدره اقتصادي اجتماعي. «أوضحنا لوزير البيئة أنه لا يمكن التعامل مع الركام كما يجري حالياً. فعلى مستوى نقابة المهندسين، لدينا صورة واضحة عن زيادة في الأمراض السرطانية بنسبة 32.9%، وهذا نراه في حالات الاستشفاء والأكلاف التي تدفعها النقابة، أي أن المزيد من التعامل باستهتار مع الوضع البيئي سيضعنا أمام كارثة إنسانية وأكلاف كبيرة. الركام يحتوي على مواد سامة، مثل مكوّنات البرادات والبطاريات والغسالات… لا يمكن استعماله لردم البحر في الكوستا برافا، بصورته الحالية، لأنه إذا حصل ذلك ستزداد نسبة الأمراض السرطانية في المستقبل ومعها سترتفع الأكلاف وتتوسع الكارثة» يقول حنّا.

وفي غياب التخطيط، انطلق قطار «التلزيمات بالتراضي». وعلى هذا المنوال، فإن ما هو مطروح الآن «لا يؤمّن الشفافية، والذرائع التي تقدّم أنه يجب إعادة الناس بسرعة إلى منازلهم، علماً أن هذا أمر ضروري جداً وملحّ، لكن الحرب لم تقع منذ شهرين فقط، أي كان يمكن الأخذ بهذا الاعتبار ضمن الخطة». والواقع اليوم، هو أن الردم متراكم على الطرقات، وتراكمه بدأ منذ أكثر من سنة. يمكن رؤية هذه «الخفّة» عندما طلبت الحكومة أن يتفرّغ لديها مهندسون للمسح بشكل مجاني، إذ إنه عند التنفيذ، وبعدما شكّلت النقابة فريقاً من 100 مهندس للمساعدة على مسح الأضرار، تبيّن أن هناك مهندسين زملاء ينفذون الأعمال نفسها في مقابل بدلات مالية. فقد لُزّم المسح لشركة واحدة، وحيث لا تصل هذه الشركة، يُطلب إلى فريق النقابة الذهاب مجاناً بلا بدل نقل. عملياً، لا تملك هذه الشركة الإمكانات الذاتية لمسح الأضرار في كل لبنان كما جرى تكليفها. التخطيط المسبق كان سيتعامل مع هذه المسألة بشكل واضح من خلال دفاتر الشروط التي تحدّد الإمكانات المطلوبة للقيام بعملية المسح ورفع الأنقاض، ومن ضمن ذلك حجم الفريق والتجهيزات المطلوبة من سيارات ومعدات وسواهما». حنّا ناقش الأمر مع الوزير علي حمية، إذ «لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال».

وإلى جانب ارتفاع المخاطر المرتبطة بآليات التلزيم والفساد، يظهر انعدام اليقين بمسألة التمويل بشكل واضح للعيان. برأي حنا، يتم ربط هذا العمل بالسياسة، لذا «علينا أن نتعامل بالملف بعيداً عن السياسة التي لا يمكن تطبيقها على مآسي الناس. الفساد لا يظهر في الربح، بل يتم تركيبه في دفاتر الشروط أصلاً». لذا، عندما تُسأل النقابة عن رأيها، فما يهمّنا: «البيئة والسلامة وتشغيل المهندسين اللبنانيين والشركات اللبنانية، وإجراء تحسينات، ولو بسيطة على مخططات المدن والقرى مع الحفاظ على هويتها. صحيح أنه لا يمكن أن نعيد هيكلة المخطط المدني بكامله، لكن التحسين ممكن».

الترخيص مجاني
قبل انتهاء الحرب، عقد مجلس نقابة المهندسين اجتماعاً خلص إلى قرارات عدّة تستشرف عملية إعادة الإعمار؛ أولاً، كل الأبنية التي قُصفت وهُدمت بسبب العدوان سيعاد ترخيصها مجاناً بلا تسديد رسوم النقابة، ثانياً، لن نخصم من «كوتا» المهندس الموقّع على الرخصة القديمة، فإن بنى المهندس مثلاً 5 أبنية، يمكنه إعادة بنائها حتى لو استنفد الكوتا المخصّصة له. ثالثاً، على مستوى التعامل مع ذوي المهندسين الشهداء الذين قضوا في الحرب الأخيرة، قررنا اعتبار من استشهد من المهندسين، وعددهم يصل إلى 60 مهندساً، قتلى حوادث عمل في ما يخصّ التعويضات المالية من صندوق النقابة، أي مرّة ونصف مرة التعويض العادي.

 

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةكريدية: هبة صينية لإنشاء 390 محطة لاسلكية جنوب الليطاني
المقالة القادمةالليرة مطلوبة أكثر من الدولار