بدأ الاقتصاد البريطاني أول خطوة في طريق التعافي الطويل من أزمة كوفيد – 19 في مايو (أيار)، إذ بدأ النشاط ينتعش بعد بدء تخفيف إجراءات العزل العام؛ لكن معدل التعافي جاء أقل من توقعات خبراء الاقتصاد.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية إن الناتج المحلي الإجمالي زاد 1.8 في المائة في مايو، وهو ما يقل عن جميع التوقعات في استطلاع «رويترز» لآراء خبراء اقتصاد، وذلك بعدما سجل تراجعا قياسيا نسبته 20.3 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي. وفي ثلاثة أشهر حتى مايو، انكمش الاقتصاد 19.1 في المائة، كما تراجع 24 في المائة على أساس سنوي.
وتوقع استطلاع لوكالة «بلومبرغ» انكماش الاقتصاد البريطاني بنحو 9 في المائة هذا العام، وهي أعلى نسبة انكماش قد يسجلها الاقتصاد خلال عقد. وتوقع قلة تعافيا سريعا للاقتصاد، ولكن من المرجح أن يكون الإنتاج أقل بحلول نهاية العام المقبل مقارنة بمستويات ما قبل أزمة فيروس كورونا.
وجاء الانتعاش الضعيف بقيادة نمو نسبته 0.9 في المائة فقط في قطاع الخدمات البريطاني الكبير، فيما شهدت الخدمات المتخصصة والعقارات التجارية والبرمجة الإلكترونية ضعفا.
وكان الإنتاج قد ارتفع في شهر مايو الماضي، تقوده مكاسب بنسبة 8 في المائة في قطاعي الصناعة والبناء، بعدما تم السماح للعاملين بالعودة لأعمالهم. وحظي الاقتصاد البريطاني بدفعة في شهر يونيو (حزيران) الماضي بعدما تم السماح بإعادة فتح متاجر المنتجات غير الرئيسية، كما استأنف قطاع الضيافة عمله مطلع هذا الشهر.
وسجلت بريطانيا ما يربو على 44 ألف وفاة بفيروس كورونا، وهي أعلى حصيلة في أوروبا. وفي مايو، جرى تخفيف إجراءات العزل العام على نحو محدود وتأقلم المزيد من الشركات على العمل في ظل الإجراءات الجديدة.
كما كشفت بيانات القطاع الخاص بعض المؤشرات على التعافي في مايو ويونيو مع تخفيف العزل العام، لكن بنك إنجلترا المركزي حذر من زيادة مرجحة كبيرة في البطالة في وقت لاحق من العام الحالي بعد انقضاء أجل إجراءات الدعم المؤقت للوظائف. وأعلن وزير المالية ريشي سوناك الأسبوع الماضي تخصيص حوافز إضافية قيمتها 30 مليار جنيه إسترليني (38 مليار دولار) للحد من ارتفاع البطالة.
ذعر في حي المال
وفي غضون ذلك، أشار تحقيق لصحيفة «إيفيننغ ستاندرد» البريطانية إلى أن العاصمة لندن وحي المال وسطها يعانيان أكبر أزمة اقتصادية خلال أجيال، حيث سيفقد عشرات الآلاف وظائفهم، كما يواجه مئات الشركات خطر الانتقال من بريطانيا، فقد فرغت الشوارع التي كانت تعج بالسكان من حي ماي فير إلى غرب لندن إلى دوكلاندز شرق العاصمة من السياح والمسافرين بسبب الضربة المزدوجة المدمرة التي تلقتها البلاد. ونقلت الصحيفة عن أصحاب الأعمال «المذعورين» القول إن نحو 50 ألف وظيفة في القطاعات التي تعاني أساسا، مثل قطاع التجزئة والسياحة، ستختفي في الحي التجاري في «ويست إند» بمفرده خلال العام الحالي، حيث انخفض معدل الإنفاق بمقدار النصف وتقدر هذه المصادر الخسائر بنحو 5 مليارات إسترليني كنتيجة لفرض الحظر خلال تفشي فيروس كورونا.
وقال سايمون فرينش، وهو كبير الاقتصاديين في شركة «بانمور غوردون» للصرافة في حي المال إن الأمر قد يستغرق نحو 5 سنوات للتعافي الاقتصادي للعاصمة، ليعود بعدها إلى معدلاته قبل الأزمة والتي ستتكلف نحو 60 مليار إسترليني.
وتأتي التحذيرات الأخيرة بعد 3 أيام من قول رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن على الجميع «العودة إلى العمل إذا استطاعوا»، في تحول لما قاله من قبل للعمل من المنزل وتفادي وسائل النقل إذا ما استطاع الشخص ذلك. بل إن الوزير بمكتب رئيس الوزراء مايكل غوف قد ذهب بعيداً أول من أمس حيث قال: «نريد أن يعود الناس إلى أعمالهم في المحلات وفي المكاتب وحيثما استطاعوا». لكن الحكومة في الوقت نفسه، بما يزيد من الخلط، لم تقم بعد بإزالة النصيحة الرسمية الموجودة على موقع الحكومة والتي تقول «اعمل من البيت إن استطعت».
ووفقاً للتقارير الصحافية، فإن رئيس الوزراء ووزير الخزانة ريشي سوناك كانا «مذعورين» من تأثير الرسالة القائلة «ظل بالمنزل» على الحياة في وسط العاصمة التجارية، لكن ملاك العديد من كبريات المطاعم والبارات والفنادق والمحلات في وسط العاصمة البريطانية التي تعد أساس النظام الاقتصادي والأكثر تأثراً، يساورهم الشك في أن تغيير الحكومة لنبرتها السابقة قد يكون له تأثير ولو بسيطاً عليهم. وكشف استطلاع رأي نشر مؤخراً أن المسافرين بين المدن لا يزالون يشعرون بالقلق خلال سفرهم على متن القطارات. وأشار استطلاع آخر إلى أن 88 في المائة يشعرون أن الوقت لا يزال مبكرا على العودة إلى المواصلات العامة في العام الحالي.
ويخشى كذلك من أن التأثير الأخير للإجراءات التي أعلنها وزير الخزانة للمساعدة في نشاط الفنادق والفنون، رغم أنه مرحب به، سيكون له تأثير طفيف على وسط لندن أقل من تأثيره على المناطق الأخرى لأنه يعتمد على السياحة والمسافرين.
وقال روس مورغان، الرئيس التنفيذي لمنظمة «وسط لندن» للأعمال التي تمثل التجار وأصحاب المحلات في ميادين بيكاديلي وسانت جيمز وليستر: «رغم أن تأثير تدخل الحكومة له أثر بسيط على الاحتياجات الخاصة والجغرافية في وسط لندن والتي يسكنها عدد قليل من السكان. دون هذه المساعدة فإن العديد من هذه القطاعات ستغلق والعديد من الأشخاص سيفقدون وظائفهم وسبل العيش ستتأثر كثيراً».
وحذر الكثير من الأعمال المرتبطة بالمكاتب والإنفاق السياحي من أنها لم تعش انكماشا أكثر سوءا من الوضع الحالي بوسط لندن الذي يصل دخله إلى نحو 200 مليار إسترليني أو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا، وأنه يتعرض للخطر بسبب كورونا.
المصدر: الشرق الأوسط