نواب الأمة يحمون الميسورين من دفع الضرائب

ألغت لجنة المال والموازنة كلّ الإجراءات التي تشكّل ضغطاً على أصحاب رؤوس الأموال المقيمين في لبنان والذين يحقّقون أرباحاً مالية خارجه، وخاضعة لضريبة الباب الثالث بنسبة 10 بالمئة. ويشرح الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الدكتور كريم ضاهر لـ»نداء الوطن» أن هناك ضريبة على رؤوس الأموال المنقولة، أي كل الإيرادات الرأسمالية التي تتأتى بتوظيفات أسهم وسندات وحسابات مصرفية واستثمارات بالأدوات المالية. كل هذه الإيرادات تسمّى إيرادات رؤوس أموال منقولة وتخضع لضريبة مقطوعة نسبتها 10 بالمئة»، مشدداً على أن «هناك تقسيماً آخر يجب أن يتمّ ضمن هذه الفئة، بمعنى أن هناك إيرادات تتأتى من استثمارات في لبنان (مساهمات بشركات/ أسهم وسندات خزينة/حسابات مصرفية) وتقتطع الضريبة 10 بالمئة لدى المنبع من قبل الجهة التي تدفع المبلغ المتوجّب والضرائب المترتبة ضمن المهلة المحددة (شركات/ مصارف). وهناك فئة ثانية من رؤوس الأموال المنقولة بالباب الثالث، وهي مدار جدل لأن المواطنين العاديين لم يكونوا على علم بها، وهي الإيرادات التي تحصل في الخارج من قبل مقيمين في لبنان وهي تخضع لمبدأ الإقامة بخلاف باقي الضرائب المشار إليها الخاضعة لمبدأ الإقليمية».

القانون موجود منذ 1959

يضيف: «القانون المختص بهذه الضريبة صادر منذ 12/6/ 1959 (مرسوم اشتراعي /تاريخ 144)، وحتى العام 2016 كان المشرّع قد أخضع إيرادات تحقق في الخارج من قبل مقيمين في لبنان للضريبة في لبنان، وهذا الأمر ليس جديداً ولا داعي لكلّ هذا الجدل الذي يثار حول هذه الضريبة في البرلمان»، مؤكداً أن»وزارة المالية لم تعرض هذا الموضوع حديثاً بل هو موجود أصلاً وقامت بالتذكير بضرورة تطبيقه، وهو على عاتق المقيمين في لبنان والذين يحقّقون أرباحاً مالية خارجه ويخضعون لضريبة 10 بالمئة، مع فرق بأنهم مجبرون على التصريح مباشرةً عن مدخولهم كل عام قبل شهر آذار، ودفع الضريبة قبل كل نيسان عن السنة التي مضت».

يشرح ضاهر أنه «في السنوات الماضية كانت تدفع الضريبة بالليرة اللبنانية، في حين أنه منذ إقرار موازنة 2022 (القانون رقم 10 تاريخ 15/11/2022)، سمحت المادة 87 و المادة 19 منه للدولة اللبنانية بفتح حساب لتقاضي الضرائب بالعملة الأجنبية. أوجدت آلية بأن يتم دفع هذه الضريبة بالعملة ذاتها التي تم تحصيل الإيراد أو الدخل منها، وهذا ما أزعج بعض المتموّلين لأنهم مجبرون على الدفع بالدولار الفريش»، جازماً بأن «المشكلة الكبيرة القائمة حالياً هي أن المكلّف عليه التصريح عن حساباته في الخارج، ومنذ 1959 وحتى 2016 لم تكن هناك مشكلة بالنسبة لبعض المتموّلين لأنه لم يكن هناك تبادل للمعلومات بين لبنان والدول الخارجية، وكانت هناك سرية مصرفية مطلقة وفقاً للقانون الصادر في أيلول 1956 (والذي تم تعديله أخيراً بموجب القانون رقم 306/2022)، أي أنه لم يكن أمام وزارة المالية في لبنان أي منفذ لمعرفة أي معلومات عن هذه الحسابات خارج لبنان».

لبنان ملتزم منذ 2016

ويشير الى أنه «في العام 2016 وتحت وطأة الضغط الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وG20، أجبر لبنان على الدخول في المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات المالية لأسباب ضريبية Globel forums)). ووقّع لبنان على معاهدتين، الأولى الاتفاقية المتعدّدة الأطراف للتعاون في المجال الضريبي، وهذا يسمح بالتبادل غب الطلب، أي أنه يتاح لكلّ دولة عضو الحصول، حينما تشاء ويقتضي الأمر من دولة أخرى عضو يكون المقيم في الدولة الأولى المتقدمة بالتبادل، على مصالح وحسابات مالية في المصارف والمؤسسات المالية العاملة في الدول الأخرى المستعلم لديها. أما الآلية الأخرى فهي الإتفاقية المتعلّقة بالسلطات المختصة (Multilateral Competent Authority Agreement) أو التبادل التلقائي (automatic exchange) التي تسمح كل عام أن يتم إرسال المعلومات إلى الدول الشريكة تلقائياً بهدف تبادل المعلومات على قاعدة سنوية. وتتعلّق هذه المعلومات بحسابات غير المقيمين في كل المؤسسات المالية وشركات الضمان التي تستثمر أصولاً مالية في لبنان والتي تكون مجبرة على تحويل تلك المعلومات الموجودة لديها عن المتعاملين معها والمودعين لديها والمقيمين ضريبياً في دول أخرى عضو في المنتدى. ولذلك يوقّعون ما يسمّى (AML/KYC) وكل العملاء في مصرف أو شركة ضمان تقوم باستثمار أصول مالية، مجبرون على التصريح أين هم مقيمون ضريبياً، ويتم تحويل هذه المعلومات بعد توثيقها من قبل المؤسسات المالية وشركات الضمان قبل 30 حزيران من كل عام عن السنة التي انقضت إلى وزارة المالية. فتقوم وزارة المالية بدراستها وإرسالها الى السلطات الضريبية للشريك المتعاون معها قبل 30 أيلول».

معلومات إلى 64 دولة

يلفت ضاهر الى أنه «بدأ لبنان بإرسال المعلومات تلقائياً الى نحو 64 دولة شريكة ومنهم الدول الغربية، أي المعلومات المالية والمصرفية عن حسابات المقيمين في أراضيها وبدأ يزوّدهم بالمعلومات، بعد أن دخل الى هذا المنتدى العالمي بموجب قانون رقم 55 تاريخ 27 /10 /2016، وتبعه مرسوم اشتراعي من قبل مجلس الوزراء رقمه 1022 تاريخ 7 تموز 2017، وبعدها صدرت قرارات لوزارة المالية والمصرف المركزي في العام 2017 لتنظيم هذا الموضوع، ألزمت المؤسسات المالية والمصارف وشركات الضمان الالتزام بهذه الموجبات. وبنتيجته وقّع لبنان على هذه المعاهدة بعدما صدّق على القانون الذي سمح للدولة التوقيع على المعاهدة بموجب القانون رقم 55/2016 الآنف الذكر».

ويوضح أنه «ابتداءً من العام 2018، يرسل لبنان كل عام المعلومات التي بحوزته الى كل الدول الشريكة له. وحصلت إشادة بهذا الالتزام من قبل المنتدى العالمي عام 2022 بعد مراجعة ميدانية (Peer Review) أجرتها الأمانة العامة للمنتدى لتتأكد من حسن التنفيذ والالتزام بالنسبة لكيفية التطبيق وإرسال المعلومات. وتمّ التنبيه إلى عدم إتمام شروط وآليات تلقي المعلومات الخاصة بالمكلفين المقيمين ضريبياً في لبنان. وبهذه الطريقة يطبق نظام crs من طرف واحد أي أنه لا يستقبل لبنان المعلومات المختصة بالمقيمين عنده (الذين يملكون إيرادات ورؤوس أموال منقولة في خارج لبنان)»، مشدداً على أن «المعركة الموجودة هي أن يفعّل لبنان الآليات التي تسمح بتسلم المعلومات المالية الخاصة بمكلفي الضرائب لديه من الدول الشريكة حيث تتواجد أموال واستثمارات هؤلاء المنقولة كما يلتزم لبنان نفسه راهناً بتسليم المعلومات المطلوبة منه إلى تلك الدول ما يسمح لها بكشف وفضح كل حسابات المقيمين لديها الموجودة في المصارف والمؤسسات المالية في لبنان (تتولى هذا الأمر هيئة التحقيق الخاصة وهيئة الإشراف على شركات الضمان بوزارة الاقتصاد ووزارة المالية). مع العلم أن لبنان لا يتلقى راهناً المعلومات من الدول الشريكة لأنه لم ينجز الخطوات اللازمة لحصول ذلك ولا سيّما موجب وآليات المحافظة على سرية المعلومات (بحسب التقرير الذي صدر في 2022)».

الدولة تتراخى

يضيف: «بمعنى آخر الدولة اللبنانية تتباطأ وتتخاذل عن القيام بموجباتها، ومجلس النواب لا يضغط عليها لتحصيل حقوقها كضرائب من الميسورين في لبنان. وهذا يخلق نوعاً من عدم التوازن بينهم وبين المودعين الذين خسروا أموالهم في المصارف. فمن استطاع إخراج أمواله خارج لبنان يتمتع بفوائد وإيرادات أسهم وسندات هي في أعلى مستوياتها منذ سنتين، ولا يدفع الضرائب عليها في لبنان وليس هناك جهد لدفعه الى ذلك»، لافتاً الى أنه «حين وضعت المادة 58 في النسخة الأولى لقانون موازنة العام الحالي، تم تغييرها حالياً في القانون الجديد للموازنة التي سيصدرها مجلس النواب، حيث إن وزارة المالية ذكّرت بأن من لا يدفع ضريبته يعتبر بمثابة تهرب ضريبي ويحوّل المتخلف أو المتقاعس الى النيابة العامة المالية، وتُحجز أمواله الى حين دفع الضريبة. لكن لجنة المال والموازنة ألغت هذا التدبير بحجة أنه لا يجوز إخافة المكلفين في هذه الظروف المعيشية فألغوا التهديد الموجود».

لا عدالة ضريبية

ويرى أن «هذا الأمر يتنافى مع مبدأ العدالة الضريبية والمساواة المنصوص عنه في مقدمة الدستور والمادة السابعة منه. لأنه لا يطول المكلفين الميسورين الذين يملكون أموالاً في الخارج وإمكانياتهم تسمح لهم بالعيش في لبنان برخاء وبحبوحة، وعليهم دفع ضرائبهم لتحقيق نوع من العدالة الضريبية أو أقله كموجب مواطني وتضامن وطني. إلا أن هذا المبدأ يطول أيضاً من هم مقيمون في لبنان ويحققون أرباحاً فيه لا يعلنون عنها ويتهرّبون عن التصريح عنها لألف سبب وسبب يؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة من العجز والفساد والزبائنية. وطالما لم يطل القانون الجميع فسوف يبقى التذرّع بالتطبيق الكيفي عذراً لعدم الالتزام والتفلت من المسؤولية والعقاب».

ويعتبر من جهة أخرى أن «الهدف من إلغاء هذا التدبير في الموازنة وعدم الضغط لتفعيل الآلية التي تسمح بتلقي المعلومات على قاعدة التبادل ليس فقط حماية أصحاب الرساميل، بل أيضاً لإخفاء الحسابات العائدة لهؤلاء الاشخاص الموجودين في الخارج، لأنه إذا قام لبنان بالخطوات اللازمة لاستقبال المعلومات من الدول الشريكة حول هؤلاء الاشخاص وأكثرهم من النافذين أو المقربين من السياسيين، على قاعدة التبادل، سيتم كشف وضع الكثير من النافذين من سياسيين ومصرفيين وتظهر حقيقة ذممهم المالية الموجودة في الخارج، وإذا تّم التحقيق معهم وتتبع العمليات الحاصلة منذ سنوات فستظهر أشياء كثيرة ومنها عمليات الفساد وتشابك المصالح، ومنها أيضاً كشف من حوّل أمواله الى الخارج وبأي تاريخ وتورطه بأعمال الفساد والرشوة وسوء استعمال المعلومات المميزة (Inside trading)».

ويختم: «ليس من مصلحتهم أن يكمل لبنان هذه الإلزامات التي تمكنه من تلقي المعلومات. والمنتدى العالمي لا يهتم إذا حصل لبنان على هذه المعلومات أم لا، لأنه يحصل على المعلومات التي يريدها منه ويحمي الدول الأعضاء. المشكلة هي أن الطبقة السياسية والمالية الحاكمة لا تزال متربصة، وتبذل جهدها لمنع كشف الوقائع والحقائق والحسابات للاشخاص المرتكبين أو المتوارين والذين يخفون أموالهم في الخارج… ما يسمح لها بطمس المخالفات والتهرب من المساءلة والتفلت من العقاب والبقاء في مراكز النفوذ والقرار متسلّطة على قطيع منصاع ومستقيل حتى الفناء».

مصدرنداء الوطن - باسمة عطوي
المادة السابقةحاصباني: موازنة غير إصلاحية ومدمّرة للإقتصاد الشّرعي
المقالة القادمةمجلس النواب يُعفي الأثرياء من ضريبة CRS