تقول المعلومات إن نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة أعدّوا منصّة بديلة يناقشون تفاصيل عملها مع بلومبيرغ حتى تكون أولى خطواتهم في الاتجاه الصحيح، لتعكس شفافية في التسعير والعمليات، وسعر الصرف الفعلي ولا تقوم بأي عمليات دعم يفترض أن تقوم بها الحكومة المركزية عبر وزارة المال.
يعود هذا الكلام، إلى فترة صدور التعميم 161 الذي ينظّم، أو يفتح العمليات على منصّة صيرفة، إذ لم يمض شهر حتى أعدّ نائب الحاكم سليم شاهين دراسة قدّمها للحاكم رياض سلامة، تقترح وقف صيرفة التي كانت تستنزف الدولارات بلا أي نوع من الشفافية، وكانت تعبّر عن رغبة في تثبيت ودعم سعر الصرف، أي عن الفترة التي تراكمت فيها الخسائر وانتهت بانفجار الأزمة النقدية والمصرفية. ولم يطل الأمر قبل أن يكتشف شاهين ورفاقه، أن صيرفة كانت أداة للتضليل. ففي اجتماعات المجلس المركزي الأخيرة أبلغهم الحاكم أن المنصّة لا تسجّل أي خسائر منذ ثلاثة أشهر. بمعنى أنها لا تستنزف سيولة مصرف لبنان بالعملة الأجنبية. لكنّ سلامة لم يقدّم تفسيراً لهذه المعطيات التي تبدو غير منطقية، نظراً إلى الهامش السلبي بين سعر الصرف المحدّد لصيرفة مسبقاً، وسعر الصرف في السوق الحرّة. في مطلع الشهر الماضي بلغ الهامش 10 آلاف ليرة مقابل الدولار الواحد، وبموجب ذلك لا يفترض أن يسجّل مصرف لبنان إلا الخسائر في ميزانيته. والهامش هو مؤشر بسيط، إلى الاستنتاج بأن هناك عملية تضليل واسعة يقوم بها سلامة، أو حتى تزوير للقيود. ولو كانت هناك شفافية في المنصّة لكانت هذه الحقيقة ظهرت، إلا أن الحاكم قرّر عمداً الاستمرار في هذا الغموض ولم يقدّم أي معلومات بشأن هذه المنصّة وآلية عملها، وحجم عمليات البيع والشراء بالتفصيل، ولا بشأن العمولات التي تتقاضاها المصارف، بل حجب عن المجلس المركزي كل هذه التفاصيل زاعماً أنها لا تسجّل خسائر خلافاً لأي منطق.
في هذا الإطار، يقول أحد نواب الحاكم إنه جرى تحضير البنية الأساسية لمنصّة بديلة بآليات أكثر شفافية وتعكس الواقع في السوق، أي السعر الحقيقي العائم لليرة مقابل الدولار وليس السعر المدعوم والمثبّت الذي تظهره المنصّة. أي دعم للرواتب هو حقّ لموظفي القطاع العام، لكنه يجب أن يأتي عبر السياسة المالية، وليس عبر الآليات النقدية. وتستهدف المنصة الجديدة بشكل رئيسي ضرب المضاربات القائمة على العملة الوطنية الآن بالتعاون بين أعضاء شبكة كبيرة يتحكّم سلامة بها.
بالنسبة إلى النواب الأربعة فإن المنصّة البديلة، تشكل عملاً تأسيسياً لما هو مطلوب لاحقاً. فالقرارات والقوانين المطلوب اتخاذها تتطلب جرأة لا تملكها القوى السياسية التي فوّضت سلامة أمرها والإنابة عنها في إدارة المال العام والخاص. لذا، كان يقود عمليات الدعم بكل أشكالها، ويمنع أو يوافق على زيادات الأجور للقطاعين العام والخاص، وكان يفرض القوانين على الموازنة ويلغيها منها… وبامتداداته السياسية، نفّذ على مدى العقدين والنصف الماضيين، أكبر عملية توزيع للثروة والدخل انتهت بالانفجار الحالي للعملة المحلية وللمصارف بخسائر هائلة تبلغ 72 مليار دولار. ودور الحاكم هذا استمرّ خلال الأزمة، وقدّم الخدمة القصوى للقوى السياسية عندما خلق تعددية في أسعار الصرف، وترك التضخّم يتغذّى على انفلات سعر الصرف وتعدديته وعلى طبع المزيد من الليرات، وكل ما قام به كان عبارة عن خطوات ترقيعية وغطّته هذه القوى، ومن أبرزها منصّة صيرفة.
نواب الحاكم اعترضوا على هذا المسار بخلفيتين: إدراك خطورة الأمر، والقلق من تحميلهم مسؤولة كبيرة نيابة عن سلامة. فمع قرب انتهاء ولاية سلامة، لاحت فرصة القيام بعمل ما اتفق على أن يكون بياناً يلوّح بالاستقالة، لكنه جوبه الأمر بتخوين النواب الأربعة الذين اتُّهموا بأنهم يتهرّبون من مسؤولياتهم. لكنّ المسألة بالنسبة إليهم لا تتعلق بالسلوك، بل في مقاربة الأزمة، فالأصوات نفسها التي تخوّن نواب الحاكم لا توجه كلمة لوم إلى من هم في سدّة المسؤولية منذ سنوات وعقود ولكنهم يعجزون عن انتخاب رئيس للجمهورية وعن إقرار قوانين تمهّد للإصلاحات المالية.
الفائدة على الليرة 100%
تبيّن أن الإجراءات التي يقوم بها حاكم مصرف لبنان لتجفيف السيولة بالليرة من السوق، أدّت إلى رفع أسعار الفائدة على الليرة إلى 100%. وأتى ذلك في موسم تسديد الضرائب لوزارة المال مثل ضريبة القيمة المضافة وضرائب غيرها تسدّدها الشركات عبر الاستدانة بالليرة من المصارف والاستحصال على شيكات مصرفية نقدية منها لإيداعها لدى مصرف لبنان. لكنّ ارتفاع سعر الفائدة دفع التجّار إلى الامتناع عن تسديد الضريبة في وقتها لأن غرامات التأخير أقل كلفة من تأمين السيولة بالليرة.