هذا ما سيحسمه قانون الفجوة الماليّة

تسرّبت يوم الإثنين، وللمرّة الأولى، إحدى المسودّات التي جرى العمل عليها مؤخراً، لقانون الفجوة الماليّة، وهو ما أثار زوبعة من النقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص مقاربات هذه النسخة. وبطبيعة الحال، بيّنت المسودّة المسرّبة بعض المعالم الأساسيّة، لمشروع القانون الذي يجري العمل عليه، وهذا ما يتّسم بأهميّة كبيرة اليوم. ومع ذلك، من المهم التنويه إلى أنّ المسودّة المسرّبة حملت الرقم 9، وتاريخ 17 تشرين الثاني الماضي، ما يعني أن تعديلات عدّة طرأت عليها منذ ذلك الوقت، على وقع النقاش ما بين الفريق الحكومي ومصرف لبنان وصندوق النقد الدولي.

“المدن” تقدّم، في هذا المقال، أبرز المحاور التي تناولتها النقاشات الجاريّة، بخصوص قانون الفجوة الماليّة، فضلاً عن الخلاصات التي تتجه إليها المسودّة الأخيرة من مشروع القانون. مع الإشارة إلى أنّ جميع هذه الخلاصات، قد تخضع في أي وقت لتعديلات اللحظة الأخيرة، بعدما تلقّى صندوق النقد الدولي يوم أمس الإثنين آخر الصيغ التي جرى إعدادها خلال عطلة نهاية الأسبوع، على أن يقدم ملاحظاته عليها خلال الأيام القليلة المقبلة.

مصير رساميل المصارف

كان الجانب المتصل بمصير رساميل المصارف، أي حصص ومساهمات أصحابها، موضوع التفاوض الأساسي ما بين جمعيّة المصارف من جهة، وفريق العمل الحكومي من جهة أخرى. شروط صندوق النقد الدولي، ركّزت منذ البداية على ضرورة تصفير هذه الرساميل، أي شطبها من الميزانيّة، على أن تُعاد رسملة المصارف عبر ضخ سيولة جديدة، من المساهمين الحاليين أو مساهمين جدد، بما يعيد تكوين المساهمات. هذه العمليّة، التي ترفضها جمعيّة المصارف لأسباب واضحة، يعتبرها صندوق النقد خطوة لا يمكن تجاوزها، لتمتثل عمليّة إعادة الرسملة للمعايير الدوليّة الفضلى. وبرأي الصندوق، لا يجب تحميل أي دائن قدر معيّن من الخسائر، قبل استنفاد قدرة الرساميل على تحمّل أوّل شريحة من الخسائر.

حتّى أواخر الأسبوع الماضي، كانت جمعيّة المصارف تتلقى تطمينات متكرّرة من شركة أنكورا، التي تولّت تمثيل الجمعيّة في التفاوض التقني بشأن قانون الفجوة الماليّة. إذ أكّدت أنكورا أنّ المقاربة التي يصرّ عليها مصرف لبنان تتمثّل في تحميل المصارف حصّة من السيولة المطلوبة لتسديد الودائع، من دون اشتراط تصفير الرساميل منذ البداية، هو ما يحفظ سيطرة المصرفيين على مؤسّساتهم طالما أنهم يتمتعون بالقدرة على تأمين هذه الحصّة. وبالتأكيد، لم يكن صندوق النقد ليوافق على أي صيغة من هذا النوع.

غير أنّ الأمور شهدت مساء يوم السبت الماضي بالتحديد انعطافة حادّة. إذ تقاطعت معلومات من مصادر عدّة تؤكّد أن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد عاد وقرّر السير بمبدأ “تراتبيّة الحقوق والمطالب”، التي تفرض بديهياً تصفير الرساميل للتعامل مع أوّل شريحة من خسائر القطاع المصرفي، على أن تُعاد الرسملة تدريجياً من بعدها. وعلى هذا الأساس، تم تعديل المسودّة خلال العطلة، قبل أن يُعاد تقديمها إلى صندوق النقد الدولي يوم أمس لتلقي الملاحظات.

المسودّة المسرّبة لا تلحظ هذا التعديل، الذي طرأ بعد صياغتها، بل تكتفي بصيغة أكثر عموميّة تنص على فرض إجراءات “إعادة الرسملة التي سوف يحددها مصرف لبنان”. وعلى هذا الأساس، يفترض أنتظار المسودّة الأخيرة، لتبيان الصيغة التي تمّ اعتمادها للامتثال لمبدأ تراتبيّة الحقوق والمطالب. كما يفترض انتظار ملاحظات صندوق النقد الدولي، لمعرفة مدى تطابق هذه الصيغة من نظرته إلى هذا المبدأ.

نوعيّة التدقيق

خلال نقاشات جمعيّة المصارف مع وزير الماليّة ياسين جابر، تم التطرّق لمسار التدقيق في ميزانيّات المصارف، لتبيان “الشوائب” الموجودة في رساميلها، ومنها ما تم تحقيقه من أرباح مبالغ بها قبل العام 2019. وكما كان متوقّعاً ثارت زوبعة من الحملات الإعلاميّة، المُشكّكة بمسار إعداد قانون الفجوة، بمجرّد الإفصاح عن هذه الفكرة التي أقلقت بعض المصرفيين الحاضرين.

المسودّة المسرّبة تنص على شمول التدقيق “مطالبات المصارف الناجمة عن عمليات غير نظاميّة تشمل الهندسات الماليّة الحاصلة بين المصارف ومصرف لبنان، وتقدير الأثر الناتج عنها على رؤوس أموالها”. لكن كما أشرنا سابقاً، لا تزال هذه المسودّة تخضع لتعديلات متكرّرة، ولم يُعرف بعد نطاق التدقيق الذي ستشمله المسودّة الأخيرة.

لكنّ الأكيد، هو أن توسيع نطاق التدقيق ليشمل الهندسات الماليّة سيحقّق قدراً أكبر من العدالة، في التعامل مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إذ سيسمح باستعادة الأرباح التي حققها المصرفيون قبل العام 2019، على حساب الأموال العموميّة في مصرف لبنان. ومن البديهي أن تشمل عمليّة إعادة الهيكلة تنظيف الرساميل من الشوائب والعمليّات غير النظاميّة، في رساميل المصرفيين، تماماً كما حُسم اتجاهها لتنظيف الودائع من هذه الشوائب والعمليّات غير النظاميّة.

ضمانات المودعين

الثابت والأكيد في هذا المشروع هو تحديد سقف الودائع المضمونة، عند مستوى مئة ألف دولار أميركي، على أن يتم تسديد هذه الودائع بدفعات شهريّة خلال فترة أربع سنوات. والأكيد أيضاً، هو أنّ قيمة السداد هذه سيتم توزيعها ما بين الدفعات النقديّة من جهة، والتحويلات داخل النظام المصرفي من جهة أخرى، ما ينسجم مع آخر تعاميم المصرف المركزي التي زادت قيمة السحوبات الشهريّة إنما مع إضافة جزء يجري تحويله داخليًا.

غير أنّ هذه القيمة المضمونة من كل وديعة، سيقابلها تقليص قيمة الالتزامات للمودعين بحسب ما يعتبره القانون “معاملات غير نظاميّة”. ومن المعاملات غير النظاميّة مثلاً، الحسابات غير ثابتة المنشأ، أي الأموال غير معروفة المصدر، وما يتخطى نسبة معيّنة من الفوائد، التي جرت إضافتها إلى الودائع، فضلاً عن التحويلات المصرفيّة التي جرت إلى الخارج بعد حصول الأزمة. كما يضاف إلى المعاملات غير النظاميّة عمليّات شراء الدولار، بسعر الصرف الرسمي، بعد 17 تشرين الأوّل 2019. وسيضع القانون معايير معيّنة للتعامل مع هذه الودائع، وتخفيض قيمتها.

المسألة الأخيرة، هي الضمانات التي سينالها أصحاب الودائع التي تتجاوز قيمتها الـ 100 ألف دولار أميركي، مقابل السندات الطويلة الأجل التي سيحصلون عليها. وحتّى هذه اللحظة، تتجه النقاشات إلى تعزيز قيمة هذه السندات بضمانات تشمل إيرادات موجودات مصرف لبنان، ما سيشمل مثلاً الربح المُحقق من زيادات قيمة الذهب الموجود في ميزانيّة المصرف المركزي.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالشبهات تلاحق وزارة الاتصالات: مشاريع ومكالمات وهمية
المقالة القادمةضبط أدوية دخلت المطار بتأشيرات مزوّرة من وزارة الصحة