هكذا أشعل سلامة سعر الصرف: نيابةً عن السلطة وباسمها

ما نشهده اليوم من ارتفاع سعر الصرف إلى 10 آلاف ليرة، وربما لاحقاً إلى مستويات أعلى، ليس إلا نتيجة سياسات رسمها مصرف لبنان نيابة عن قوى السلطة وبرعايتها، علماً بأنها السياسات التي حذّره منها صندوق النقد الدولي لأنها «تشعل سعر الصرف والتضخّم». اتّبع سلامة هذه السياسة منذ أن حدّد السلع المدعومة، متخلّياً عن سياسة تثبيت سعر الصرف لباقي السلع. تطلّب ذلك إفلات سعر الصرف من أجل تغذية التضخّم الذي يذوّب القوّة الشرائية وخسائر القطاع المصرفي معاً. في سياق هذه الخطّة الجهنمية، يمكن تفسير التعميم 154. كان يفترض بموجبه استعادة أموال محوّلة إلى الخارج، لكن سلامة كان قد خلق بيئة مناسبة للانحراف عن تطبيقه تكريساً للخطة الأساسية

انتهت مهلة تكوين السيولة في 28 شباط الماضي، وعندما عُرض الأمر على المجلس المركزي لمصرف لبنان، قرّر هذا الأخير أن يمنح المصارف مهلاً زمنية إضافية مفتوحة، ربطاً بعملية دراسة الملفات ووضعية كل مصرف.

عملياً، ما حصل في الفترة الفاصلة بين تاريخ صدور التعميم في 27 آب 2020، وبين 28 شباط 2021 تاريخ انتهاء المهلة المحدّدة لتكوين السيولة، هو أن المصارف لجأت إلى طرق أخرى للحصول على السيولة. فقد كان يتوجب عليها تكوين سيولة بقيمة 3٫4 مليارات دولار مموّلة من التحويلات إلى الخارج. لكنها بدلاً من ذلك، لجأت إلى آلية شراء الدولارات من السوق المحلية. يقدّر أنه خلال شهر شباط الماضي، بلغ معدل شراء المصارف للدولارات الورقية نحو 16 مليون دولار يومياً. دفعت المصارف ثمن كل دولار ورقي بمتوسط 3٫3 دولارات من الشيكات بالدولار (أمس بلغ المعدّل 3٫7). خلال الأشهر الأربعة الماضية، كان هذا المسار هو السائد في السوق. لم يحرّك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولا نوابه الأربعة (وسيم منصوري، سليم شاهين، بشير يقظان وألكسندر موراديان) ساكناً من أجل إعادة فرض المسار الذين رسموه بأنفسهم للمصارف.

المصارف كانت السبب الرئيسي لارتفاع سعر الدولار. لكن السبب الأساسي هو مصرف لبنان والسلطة السياسية. فالسلطة بكل أركانها، وبما فيها الحكومة المستقيلة ومجلس النواب والقضاء، فوّضت أمر إدارة الانهيار لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. رسم هذا الأخير خطّة «جهنّمية» تفترض أن الخسائر في القطاع المصرفي يمكن تغطيتها عبر طباعة النقود وضخّها في السوق، فيما يستوجب الحفاظ على الاحتياطات بالعملات الأجنبية ضرب القوّة الشرائية.

هكذا ولد التعميم 154. ولد بثمن باهظ دفعه المقيمون في لبنان مباشرة من مداخيلهم ومدّخراتهم وثرواتهم. تجارة الشيكات بالدولار المحلي مقابل الدولار الورقي أو مقابل العملة الورقية المحلية (الليرات)، كانت تتأرجح تبعاً لتقلبات سعر الصرف. وسعر الصرف كان حرّاً من أي قيود.

كان بإمكان سلامة منع المصارف من سحب الدولارات من السوق المحلية، وإلزامها بتطبيق التعميم. لم يكن الأمر يتطلب سوى بضعة إجراءات تحدّد كيفية استعمال الشيكات والوجهة منها، أو منع المصارف من استعمال رساميلها لشراء الدولار التي تصدّر لاحقاً بشيكات مصرفية. كان يمكن إبقاء حركة تجارة الشيكات ضمن حدّها الأدنى، لإجبار المصارف على إعادة التحويلات من الخارج، سواء عبر حث عملائها المودعين والمستوردين، أو إجبار مساهميها والشخصيات السياسية على إعادة الأموال.

 

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةالمرامل والكسارات العشوائية تنهش جبال ووديان لبنان
المقالة القادمةالتسرّب النفطي على طاولة “البيئة”…