لأنّ حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة كان يريد شراء صمت كل من يرفع الصوت ضده، فقد مارس كل الألاعيب الممكنة لاختراق صفوف المجموعات التي تشكّلت في وجه النظام المصرفي بعد 17 تشرين الأول 2019. وعلى نسق شراء الذمم نفسه الذي اعتمده مع وسائل إعلام وقضاة ومحامين وقطاعات أخرى كثيرة، خرق سلامة جمعيات وروابط المودعين وتمكّن من التسلل إليها عبر دفع الأموال مباشرة أو عبر «لوبي المصارف»، وتمكّن من جعل غالبيتها تروّج لسردية تخدمه وأصحاب المصارف في معركة توزيع الخسائر وإعادة هيكلة القطاع المالي… وكلّه باسم «حقوق المودعين»، ما يدعو إلى التوقّف والتدقيق، سيما أنّ التحركات على الأرض باتت شبه غائبة، وسط أجواء عن «متاجرة» حصلت.
فتحت شعار «الدفاع عن حقوق المودعين» تشكّلت روابط وجمعيات عدّة، عقب الانهيار المالي والنقدي، أبرزها، ثلاث: «رابطة المودعين» و«جمعية المودعين» و«صرخة المودعين»، قبل أن تنشقّ الأخيرة إلى «صرختين». وقد تمايزت كل مجموعة عن الأخرى. فـ«الرابطة» أعطت الأولوية للمسار القانوني وما زالت عبر لجان مؤلّفة من محامين واقتصاديين، تقدّم الاستشارات وترفع الدعاوى لمصلحة المودعين، ولديها موقف اقتصادي ومالي ومعايير للحل. وفي إحدى المراحل، تبنّت «الرابطة» و«جمعية المودعين» مواقف موحّدة في ما يتعلق بعدالة توزيع الخسائر وحماية متوسّطي وصغار المودعين وأملاك الدولة واحتياطي الذهب وشطب أول جزء من الخسائر من أموال المصارف ورؤساء وأعضاء مجالس إداراتها.
إلا أن عمل «جمعية المودعين»، برئاسة حسن مغنية، ركّز على تنظيم تحركات احتجاجية أمام مصرف لبنان والمراكز الرسمية وأمام المصارف في حالات مواكبة لمودعين أرادوا استرجاع أموالهم بالقوة. ودخلت «صرخة المودعين» متأخّرة إلى المشهد، في أواخر عام 2020 بعدما أسّسها علاء خورشيد الذي انشقّ عن «جمعية المودعين» مع فراس طنوس. علماً أن معلومات تشير إلى «قرب علاء خورشيد من النائب فؤاد مخزومي»، وإلى «علاقة تربط فادي طنوس بالنائب إبراهيم كنعان». ثم انقسمت «الصرخة» إلى فريقين، أحدهما يضم خورشيد ومعه المحامي رامي عليق، وآخر برئاسة طنوس الذي عاد وأنشأ جمعية «أموالنا لنا».
منذ نحو عام، تراجع بشكل لافت تحرك هذه المجموعات التي كانت تواكب فقط اقتحام المودعين للمصارف. علماً أن عدداً من المصارف استعانت أكثر من مرة بمغنية لقيادة مفاوضات مع مودعين احتجزوا موظفي مصارف، أفضت إلى إنهاء هذه العمليات مقابل حصولهم على نسبة معينة من ودائعهم.
اللافت هو المعلومات عن حصول عدد من قادة التحركات وصقور الجمعيات على أجزاءٍ من ودائعهم المحتجزة، عن طريق سلامة نفسه، وبعضهم استثمر ما حصّله من أموال في مشاريع كبيرة، من بينهم مغنية نفسه الذي نشط في عالم المطاعم، وسط معلومات عن علاقة تربطه بمصرف يعمل مع سلامة، وحصوله على تسهيلات مالية معيّنة.
«صرخة المودعين» تبنّت خطابَ قدسية الودائع، المستخدم من قبل أهل النظام. وهو شعار رفعته لجنة المال والموازنة وسار به «حزب المصرف» للحؤول دون إيجاد حلٍّ لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة. كما تعاونت هذه الجمعية مع النواب أشرف ريفي، وضاح الصادق، ميشال معوّض وغيرهم من أبطال طرح الصندوق السيادي، ووقّعوا ما سُمّي بـ«شرعة حقوق المودعين» التي لا تميّز بين وديعة وأخرى.
وبرزت استماتة «صرخة المودعين» في الدفاع عن بيع أصول وممتلكات الدولة في سبيل ردّ الودائع بأيّ ثمن، وهي في جميع بياناتها، تصوّب بالدرجة الأولى على الدولة، محمّلة إياها مسؤولية تسديد الودائع من أموالها، في تحييد فاقع لأصحاب المصارف. كما شنّت «صرخة المودعين» حملةً ضد صندوق النقد الدولي، وتحرّكت أكثر من مرة أمام مقرّه في بيروت، آخرها أثناء إعداد البعثة الرابعة تقريراً من أجل تحديد مسؤولية مصرف لبنان والإصلاحات المطلوبة وإعادة الهيكلة، حيث اختارت «الصرخة» تبنّي رأي أصحاب المصارف ورفاقهم ووصف طروحات الصندوق بـ«الشيوعية».