توالت المعلومات في المدة الاخيرة لدى الخبراء الاقتصاديين ان لبنان يحتاج إلى حوالي 30 مليار دولار من رأس المال الخارجي في السنوات الثلاث المقبلة. وسيعتمد ذلك على مصداقية عمليات التكييف المالية والتعديلات في سعر الصرف المخطط لها، وإعادة هيكلة الدين العام في العمق، وإعادة الرسملة الناجحة للقطاع المصرفي.
الاسبوع الماضي ، افرجت الحكومة عن خطتها الاقتصادية الانقاذية وشرحت فيها الخسائر في الاقتصاد ، لافتة الى الابواب الممكنة للتعويض عنها ، ومنها ما يتعلق بالقطاع المصرفي .
من جهتها ، تلقفت جمعية المصارف اللبنانية الخطة بالرفض، معتبرة أنها تمثل تعديا على الأسس القانونية والدستورية التي قامت عليها الدولة اللبنانية .
ودعت جمعية المصارف إلى محاسبة من تجرأ على صياغة هذه الخطة . وقالت : إن الكثير مما ورد في الخطة الحكومية يمسّ بالملكية الفردية التي ينص الدستور اللبناني صراحة على حمايتها والتي هي من الركائز الأساسية للمجتمع اللبناني. ”
وأضافت أنها لا يمكن أن توافق “بأي حال من الأحوال” على خطة إنقاذ اقتصادي حكومية لم تجر استشارتها بشأنها وستقوض الثقة بلبنان وتعوق الاستثمار وأي احتمالات للانتعاش.
هل ان خطة الحكومة الاصلاحية مجحفة بحق المصارف ؟
كيف كان يجب التعامل مع هذا القطاع الذي لعب دورا بارزا في الاقتصاد الوطني ؟
وما تداعيات ما يطال المصارف في الخطة على الاقتصاد؟
مارديني
يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني ” للاقتصاد ” ان الحكومة تحاول تحميل الخسائر التي سببتها الى القطاع المصرفي . وهذه الخسائر تتعلق دون شك باموال الاستدانة التي نفذتها الحكومات السابقة والتي رفضت الحكومة الحالية ردها وتنوي تحميلها للمصارف. هذا الى جانب الخسائر الناتجة عن سياسة تثبيت سعر الصرف التي نفذّها مصرف لبنان والذي بدوره يحملها الى المصارف.
مما يعني ان الاتجاه هو في تحميل المصارف 186 تريليون ليرة خسائر بينها اكثر من 70% تعود الى القطاع العام ومصرف لبنان . في الخلاصة ، السياسة الخاطئة للدولة وسياسة تثبيت سعر صرف العملة للمركزي تلقي بتداعياتها على المصارف التي تراجعت ملآتها.
ولولا هذه الخسائر، لكان القطاع في وضع افضل بفعل نجاح علاقته مع العملاء والخدمات المتنوّعة التي كان يقدمها لهم .
سلطة تشريعية استثنائية
ويضيف : انا اتفهّم الاجحاف اللاحق بالقطاع المصرفي . هو مرتبط بامتناع الدولة عن تسديد ما يتوجّب عليها . ومن الاجدى ، اعادة هيكلة القطاع العام قبل اعادة هيكلة القطاع المصرفي .
وبالتالي ، فان الحكومة تطالب بمنحها سلطة تشريعية استثنائية . وبرأيي هذا مطلب خطير.
انها تنوي تنفيذ ال hair cut و ال bail in بدون المرور بمجلس النواب ، وذلك لاقتطاع قسم من الودائع في المصارف . ومن المعلوم ان هذا الاجراء غير قانوني لأنه منوط بالسلطة التشريعية او مجلس النواب . هو بحاجة الى قانون يتم التصويت عليه داخل البرلمان اللبناني.
ووفق قراءتي، معظم النواب يؤيدون اجراء الاقتطاع من اموال المودعين رغم انهم يفضلون تحميل تبعاته للحكومة. وحكومة اليوم هي حكومة تكنوقراط اتت لتتحمل المسؤوليات.
كما ان خطورة السلطة التشريعية الاستثنائية ستخوّل الحكومة اعادة هيكلة المصارف. وهذا واضح في الخطة الاقتصادية .
يستعملون في النسخة الجديدة للخطة الاقتصادية عبارة ” يتطلب اعادة هيكلة كاملة للمصارف “. ويقولون : ” اعتماد تغييرات مطلوبة في الاطار القانوني . .. بالاضافة الى كافة التدابير الضرورية الاخرى .” في النسخة القديمة ، كانوا يستعملون ” عبارة دمج قسري للمصارف “. وبعد الانتقادات اصبحت : ” بالاضافة الى التدابير الضرورية الأخرى.”
واشار الدكتور مارديني الى ان هناك خطرا في تنفيذ دمج قسري للمصارف . اي ان الحكومة ستشّكل سلطة رقابية تتفرد باتخاذ القرار حول اي مصرف سيشتري هذا المصرف او غيره.
وعند تطبيق ال bail in سيتحوّل اصحاب الودائع المقتطعة الى اصحاب مصارف او حاملي الاسهم فيها ، وهم سيكونون اصحاب القرار باي تدبير يتعلق بمصير اي مصرف . وبالتالي ، لا يجوز تجيير اتخاذ القرار الى اي سلطة خارجية .
ويلفت الى ان الحكومة تذكر انه ضمن خطتها سيتم شطب رأسمال المصارف بكامله. وفي الواقع، ان المصارف عندما موّلت الدولة راهنت على ان هذا الدين ستستوفيه ، كما راهنت على حفظ حقها لدى مصرف لبنان . ولكنها فوجئت بقرار عدم رد هذه المستحقات.
ويشير مارديني الى ايجابيات في الخطة تتمثل في انه ضخ رأسمال الجديد في المصرف يسمح باستعادته اي يعود المصرف لاصحابه بعد ضخ رأسمال.
وتوّقع قيام المصارف بضخ القليل من رأسمال ، مع شطب قسم من اموال المودعين ليتم تحويله الى رأسمال . وبالتالي ، ستكون هناك هيكلية جديدة لرأسمال . ما معناه ان ملكية اسهم المصرف سيتقاسمها صاحب المصرف الحالي والمودعين .
وهؤلاء سيكون لهم القرار في تطبيق عملية الدمج ام لا .
وهنا، لا ارى اي مبرر لتدخل الدولة . فلو ضخت هذه الاخيرة الاموال في القطاع لكانت استحقت التدخل في تقرير مصير المصرف. فالدولة لم تدفع ليرة من جيبها . الجهة التي تسدد ثمن الخسائر لها الحق في اتخاذ القرار. وهنا المشكلة المطروحة اليوم .
وتبدأ دوامة القرار الجدي لاصحاب المصارف ؛ هل سيتم تحجيم المصرف ؟ هل سيتم دمجه؟ ام سيعود الى مزاولة اعماله الطبيعية .
ويعتبر مارديني ان تسليم القرار لهيئة الرقابة التي ستشكلها الحكومة يعني وضع اليد السياسية على المصارف . وهذا يعني ايضا تقاسم الحصص في المصارف بين اهل السياسة كل زعيم سيكون عنده حصة في مصرف . اي سنشهد احتكارا مصرفيا .
ويذكر ان القطاع المصرفي كان يعيش المنافسة، ولذلك شكّل عصب الاقتصاد اللبناني رغم غياب البنى التحتية اللازمة ، وتمكن من الصمود برغم كل الخضات السياسية والامنية . فعامل المنافسة الذي اعتمدت عليه المصارف في توفير الخدمات سمح للقطاع بتلبية حاجات الاقتصاد والشعب اللبناني .
ويقول : اذا طبق على المصارف ما طبق على الاتصالات فهذا سيؤدي حتما الى الغاء انتاجيتها . واذا تحسن الاقتصاد اللبناني يوما ما ، فذلك سيتم بفضل القطاع المصرفي الذي يتقن قواعد النهوض .
ويختم : اذا استمر هذا النمط من التعاطي مع المصارف فأنه سيؤدي حتما الى المحاصصة السياسية ، الى ارتفاع الكلفة والى تدهوّر نوعية الخدمات. فرغم الاخطاء التي اقترفها القطاع المصرفي ومن بينها المبالغة في تمويل الدولة ، استطاع لعب دور هام في مجال الخدمات ، عن طريق القروض المقدمة على انواعها .
المراجع القانونية والدولية
تتفق المراجع القانونية على إنَّ أي مساس بالودائع المصرفيّة مهما كانت تسميته سواء كان إقتطاعاً مباشراً (hair cut) أو استبدلاً لجزء من الودائع المصرفيّة مقابل أسهم في المصارف (bail in)، هو تعدٍّ على الملكية، ولذلك هو غير دستوري ولو صدر بموجب قانون لأنه يخالف الفقرة “و” من مقدمة الدستور التي تنص على أنَّ لبنان يقوم على النظام الإقتصادي الليبرالي الحر الذي “يكفل” الملكية الخاصة.
وفي موازاة هذه المقاربة القانونية ، ثمة تحذيرات دولية من تداعيات الخلاف الناشئ بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ، باعتبارانه يعرّض جهود الدول للحصول على الدعم المالي الدولي الذي تشتد الحاجة اليه للخطر .
ويبقى السؤال هل تقدم حكومة الانقاذ على خطوة ناقصة ، وهي على ابواب التفاوض مع صندوق النقد ؟ هل تجرؤ عاى تحمّل تبعات ان الدولة مسؤولة عن افلاس المصارف والمودعين ؟