عرفت فكرة العمل الحر على الإنترنيت انتشارا واسعا في عالمنا العربي خصوصا في الآونة الأخيرة، وقد يفسر ذلك بقلة فرص العمل ، أو لكونه أسهل من الوظيفة التي تقيد المرء في مكان ثابت، فضلا عن الالتزام بتوقيت صارم وفي هذه المقالة سنقوم بإجراء مقارنة موضوعية بين العمل الحر على الإنترنت والعمل في وظيفة عادية، حتى نحدد بدقة أيهما أفضل.
هل يعتبر العمل الحر خيارا جيدا، أم أن الوظيفة الروتينية هي الأفضل؟ إن الرد على هذا السؤال يحتاج منا تفصيلا في القول على أساس أن العمل الحر له عدد من المميزات مقارنة بالعمل في الوظيفة ، كما أن للوظيفة هي الأخرى ما يميزها عن العمل الحر، بحيث أن العمل في الوظيفة لاسيما في عالمنا العربي ليس بحاجة إلى اكتساب وتعلم مهارات على نحو دائم ومتواصل، عكس العمل الحر على الإنترنت الذي يتطلب ذلك باستمرار، ومن جهة أخرى، لا تحتاج الوظيفة العادية من العامل بها أن يكون موهوبا ومبدعا، في حين لن تكون بائعا ناجحا في العمل الحر على الإنترنت إذا لم تكن مبدعا في عملك، لكن من فضائل العمل على الإنترنيت، إمكانية العمل انطلاقا من المنزل، فيما لا يمكنك أن تعمل في وظيفة من المنزل، ومن إيجابيات العمل الحر اكتساب مهارات جديدة على نحو دائم، فعندما تريد أن تكتب مقالة في مقدورك البحث بكل حرية عن معلومات والتأكد من صحتها، وهو ما يعني اكتسابك وتطويرك لمهارات مفيدة في الحياة العملية على غرار البحث والاستنتاج والتحليل والصياغة المتأنية والدقيقة. وفي المقابل نجد أن العمل الحر ليس له عائد مادي ثابت مثل الراتب الشهري في العمل بالوظيفة ،وهو ما يعني غياب القلق من إيجاد أعمال لتنفيذها أو الحصول على دخل مادي، لكن هناك ميزة أخرى للعمل الحر وهي غياب مدير تتلقى منه مباشرة أوامر يجب عليك تنفيذها، بغض النظر عن حالتك النفسية وحتى الجسدية ، وعليه فإن التجارب أكدت تفضيل الناس للعمل ضمن أجواء أكثر حرية وتلقائية، بعيدا عن فرض أي أوامر فوقية، ومن هنا يعتبر عدم وجود مدير لك في العمل الحر أمرا جيدا جدا، وصفة مميزة للغاية بالنسبة لهذا النوع من الأعمال.
بناء على ما سبق سنحاول في السطور التالية وضع مقارنة عادلة وحيادية من غير أي تحيز بين العمل الحر والوظيفة، وعلى ضوء ذلك سنحدد مدى أفضلية أحدهما عن الآخر.
مقارنة بين مميزات وعيوب العمل الحر على الإنترنت والوظيفة
لن نعقد هنا مقارنة نستعرض فيها ميزة العمل الحر، وفي مقابلها ميزة للعمل في الوظيفة، ولكن سنقوم بالتطرق إلى ما يجعل أحد العملين أفضل من الآخر فيما يخص فكرة ما.
أشرنا فيما سبق أنه يمكنك العمل عن بعد انطلاقا من المنزل، بحيث لا يتطلب ذلك قيامك بأي تنقل إلى مكان في أكثر من 95 بالمائة من الحالات، ويحظى العمل من المنزل بالكثير من المميزات، فهو يمكنك من البقاء جنب أسرتك، وبالتالي تكون حاضرا في حال حدوث مشكلة ما، وعليه يكون التواصل معك مباشرة، وهو ما يعني تمتين العلاقة بينك وبينهم لكن لهذا أيضا بعض السلبيات، بحيث يمكن أن يكون دوام هذا التواصل مع الأهل وراء حدوث تشنجات وخلافات.
وفيما يتعلق بالوظيفة فإن العمل بها سيسمح لك بالتعرف على أناس آخرين ومن ثمة تطلع على مجتمعك بشكل أفضل وبكل واقعية، وهو ما سيساعدك على أن تكون منسجما مع نفسك وأكثر انفتاحا في حياتك عامة، في حين أن العمل الحر قد يجعل علاقتك في نطاق اجتماعي ضيق جدا وقد تتخلى حتى عن بعض الأصدقاء الحميمين. وبالنسبة للعمل في الوظيفة، فإن هذا يضمن لك الحصول على راتب ثابت كل شهر، وبالتالي سيخفف هذا من الضغط النفسي عليك، أما فيما يتعلق بالعمل على الإنترنت في مواقع العمل الحر، فهذا يعني أنه لن يكون لديك أجرة ثابتة، بحيث يكون عائدك المادي منها متذبذبا يتراوح بين ما هو أزيد من راتبك في الوظيفة أو أقل منه، لكن مع ذلك يسعدنا إخبارك أن دخل العمل الحر عادة ما يكون أكبر من دخل الوظيفة في حال كنت بارعا في عملك ولديك الكثير من المهارات، وربما تحصل على علاقة عمل دائمة مع أحدهم ، وهو ما يجعل دخلك ثابتا على غرار ما يحصل في الوظيفة.
هناك ميزة أخرى في العمل الحر وهي انعدام مصاريف للتنقل إلى مكان العمل، فيما الوظيفة تتطلب ذلك، وفي حالة السكن بعيد عن مقر العمل فإن المصاريف الخاصة بالنقل تصبح كبيرة فضلا عن معوقات الطقس من مطر وعواصف وثلوج، ومن جهة أخرى فإن العمل في وظيفة عادة ما يكون أسهل للدماغ من العمل الحر على الإنترنت، وذلك لأنه في الغالب هو عمل روتيني شبه آلي في حين العمل على الإنترنيت يحتاج إلى التفكير العميق والتركيز الدائم والتحليل والاستنتاج، والتي تعتبر من أساسيات العمل الحر و حتى في الحياة العامة فما بالك على الإنترنت، وهذا في الحقيقة له جوانبه الإيجابية، طالما يجعلك دائما تكتسب مهارات جديدة ، بينما تشل الوظيفة قدراتك على الخلق والإبداع.
وربما أهم ما يميز العمل الحر على الإنترنيت مقارنة بالوظيفة، إمكانية أن تجد عملا بفضل ما تملكه من مهارة فقط دون الحاجة لأي شهادات، في حين أن فرض الشهادة في الوظيفة يعتبر من أسوأ ما يعيبها.
إذن وكما تلاحظ، فإن العمل الحر على الإنترنت يتفوق على العمل في وظيفة على مستوى جملة من النقاط المهمة، في مقدمتها الدخل المرتفع عن الدخل المحصل من العمل في وظيفة، وإمكانية العمل مباشرة من المنزل، وغيرها من المميزات، وعليه يمكننا القول أن العمل الحر هو الأفضل بشكل عام، ولكن ليس دائما، إذ ثمة حالات تكون فيها الوظيفة أفضل هي الأخرى بكثير، وهذا ما سنتناوله في الفقرة الموالية.
العمل في وظيفة ليس دائما أسوأ من العمل الحر على الإنترنت
استنتجنا مما سبق أن العمل الحر على الإنترنت عادة ما يكون أفضل من العمل في وظيفة، لكن هذا غير صحيح دائما، فالعمل في وظيفة في مستشفى بالنسبة لطبيب أفضل بكثير من العمل الحر على المستويين المادي والنفسي، فلا أحد يستطيع أن يشخص مرضا أو يصف علاجا مناسبا لحالة معينة من خلال العمل عن بعد. والأمر نفسه بالنسبة للمحامي، إذا لم يكن لديك مهارات مميزة مثل البرمجة أو الترجمة أو التصميم أو كتابة المقالات فمن الأفضل لك أن تعمل في وظيفة بدخل ثابت، لأنك بدون المهارات المذكورة سوف تكون عاملا فاشلا على الإنترنت، بينما سيكون النجاح حليفك في عملك إذا عملت في وظيفة، وذلك لأن مهارتك التي حصلت عليها في دراستك كافية في عملك بوظيفة ولا تحتاج إلى تطويرها. وبناء عليه فإن العمل في وظيفة أفضل في حالة لم تكن تملك مهارات لا غنى عنها في أداء العمل الحر على الإنترنيت .
إتقان العمل هو الأساس
إن إتقان عملك – سواء كنت تعمل في العمل الحر أو في وظيفة – شرط ضروري ولا بد منه لتحقيق أي نجاح، ففي حالة كنت تعمل في وظيفة، قد تتعرض للطرد لأنك أديت عملك بطريقة رديئة و تكررت الشكاوى ضدك في هذا المجال، وهو ما يضطرك للبحث عن وظيفة أخرى ، لكن إذا كنت متقنا لعملك، فمن المؤكد أن مديرك سيكافئك بالعلاوات والهدايا والكلام الطيب، وأيضا إذا كنت تعمل في مواقع العمل الحر على الإنترنت، فإن إتقانك لعملك يجذب إليك العملاء الدائمين، والتقييمات الإيجابية التي تجعلك تحظى بالمزيد من الأعمال، التي تدر عليك دخلا وفيرا، ومن هنا سواء كنت تعمل في وظيفة أو في العمل الحر، كن دائما متقنا لعملك إذا كنت مهتما بمصلحتك.
أسئلة قد تتبادر إلى ذهنك:
إذا كنت طالبا، أيهما أفضل بالنسبة لي؟ العمل الحر على الإنترنت أم الوظيفة؟
تتم الدراسة ضمن جدول زمني معين وعادة ما يسمح لك بتوفير بعض الوقت للعمل الحر شرط التخطيط الجيد لذلك. ومثلما نعرف الدراسة في الجامعة دائما خلال الفترة الصباحية ، وكذلك العمل في وظيفة غالبا ما يكون في الصباح. إذن لن تستطيع أن تعمل في وظيفة و الدراسة في الوقت نفسه. أما في العمل الحر فيمكنك تنفيذ ما هو مطلوب منك متى تريد ذلك، في الصباح أو المساء، في المنزل أو في المكتب، وفي أي مكان وفي أي زمان تريد، ومن هنا نجد أن العمل على الإنترنت أفضل من العمل في وظيفة أثناء الدراسة، باعتبار أن عامل الوقت مهم جدا بالنسبة لطالب الجامعة، كما أن العمل على الإنترنت يكسب الطالب الكثير من المهارات التي هو في أمس الحاجة إليها في هذا العمر، بينما لا تكسبه الوظيفة أي مهارات تذكر باستثناء مهارة التواصل الاجتماعي التي يمكنه اكتسابها خلال دارسته الجامعية. وتجدر الإشارة ضمن هذا السياق إلى أن هناك وظائف يكون الدوام فيها ليلا، لكن مع ذلك فإن العمل الحر على الإنترنت يملك أفضلية عن الوظيفة لأسباب ذكرناها سابقا، لذلك إذا كنت تدرس في الجامعة، وكان لك خيار بين العمل على الإنترنت والعمل في وظيفة فمن الأفضل لك أن تختار العمل على الإنترنت.
هل يمكنني أن أعمل في وظيفة وفي العمل الحر على الإنترنت في نفس الوقت؟
في الحقيقة، عادة ما تكون الإجابة بنعم، ففي معظم الدول العربية لا تتطلب الوظيفة دواما أكثر من 7-8 ساعات في اليوم، وعليه يمكنك استثمار 3 ساعات أخرى من اليوم للعمل على الإنترنت. كما يمكنك العمل بالموازاة مع أداء وظيفتك على الإنترنت، فمثلا إذا كنت مهندسا معماريا يمكنك أن تعمل في وظيفة بإحدى الشركات، وتقوم برسم المخططات في العمل الحر على الإنترنت. وحتى لو لم تكن بحاجة إلى المال، وكان دخل وظيفتك كافيا يمكنك العمل على الإنترنت لقضاء وقت فراغك، وممارسة الأعمال التي تحبها إذا لم تكن تحب عملك في الوظيفة.
متى أعمل في العمل الحر على الإنترنت؟
1. عندما تكون طالبا جامعيا، وتملك عددا من المهارات المميزة، وأنت بحاجة إلى المال، وفي الوقت نفسه لا يؤثر العمل على دراستك كثيرا.
2. عندما تعمل في وظيفة، لكن الراتب محدود و غير كاف.
3. عندما تشعر أنك سترتاح نفسيا حين تعمل على الإنترنت حتى لو لم تكن بحاجة إلى كسب مزيد من المال.
4. عندما ترغب في تطوير مهارات أثناء العمل.
وفي حالات أخرى عديدة، يمكنك أن تستنتجها بنفسك لتعرف وتحدد ما تريده، انطلاقا من رصيدك الفكري و تصورك الشخصي بعد قراءتك لمضمون هذه المقالة.