ما هو السلاح الأشد فتكا اليوم؟ الردّ سيأتي غالبا؛ السلاح النووي، ومن خلفه السلاح البيولوجي، وخاصة بعد أن خبر العالم حجم الضرر الناتج عن انتشار وباء كورونا، ليس على صحة البشر فقط بل على الاقتصاد أيضا. الجواب السابق تسمعه من رجل الشارع، ولكن لرجل السياسة رأيا آخر؛ بالنسبة إليه السلاح الأشدّ فتكا هو الذكاء الاصطناعي.
شهد العالم تسارعا مذهلا في تطور التكنولوجيا خلال العقدين الماضيين، وخاصة التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، ولم يعد خافيا أن من يحوز السبق عليهما سيمتلك القوة التي تؤهله ليس فقط للهيمنة الاقتصادية، بل والسياسية أيضا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدرك هذه الحقيقة والدليل قوله إن “من يمتلك الذكاء الاصطناعي قادر على السيطرة على العالم”.
بالطبع، لم يمرّ كلام سيد الكرملين دون ردود أفعال وجدل، حول أهمية حكمه هذا، بين مؤيد ومخالف له في الرأي يتهمه بحب السيطرة والقوة. ولكن هناك من سبق بوتين وتحدث عن خطورة الذكاء الاصطناعي على الجنس البشري.
متفوقون يحكمون العالم
يوفال نوح هراري، واحد من أهم الشخصيات العلمية التي عالجت هذا الموضوع بعمق ودراية. حيث تناول في كتابه الأول، الذي أحدث ردود فعل واسعة في الأوساط العلمية، ونقصد بالطبع كتاب “العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري”، ما يسميه بـ”الثورة الإدراكية” التي حدثت قبل 50 ألف عام، عندما تفوق الإنسان العاقل على باقي الكائنات وذلك بتطوير المهارات اللغوية والعلاقات الاجتماعية.
في كتبه اللاحقة، تناول هراري النتائج البيوتكنولوجية التي ستؤدي، حسب رأيه، إلى عالم يتفوق فيه الذكاء الاصطناعي على خالقه البيولوجي، وأن الإنسان الذي نعرفه الآن سيختفي بعد قرن أو أكثر بقليل.
وفي كتابه “21 درسا للقرن الحادي والعشرين” يقول هراري، إن نمو الذكاء الاصطناعي والتقنيات البيولوجية قد يؤدي إلى إنتاج طبقة من “أشخاص متفوقين” يحكمون العالم ويحوّلون باقي البشر إلى “طبقة معطلة”.
وسيشهد العالم، نتيجة تقدم التطور التكنولوجي، لا مساواة غير مسبوقة في التاريخ، ليس فقط داخل المجتمع الواحد، بل أيضا بين الأمم. حيث تزداد الهوة بين البلدان الصناعية، التي تمتلك التكنولوجيا، وتلك المحرومة منها، ولا يتوقع أن تكون هناك فرصة في المستقبل لردم هذه الهوة.
في زمن لا يتجاوز ثلاثة عقود، استطاعت أربع شركات أميركية أن تهيمن على الاقتصاد الأميركي، وتمنح الولايات المتحدة قوة نافذة للسيطرة على العالم، الشركات الأربع يشار إليها اليوم بـ”GAFA” وهي بالطبع؛ غوغل، أبل، فيسبوك وأمازون.
ولا ندري إن كانت الصدفة وحدها هي التي أظهرت إلى السطح أربع شركات صينية عملاقة، تتشابه في سطوتها مع الشركات الأميركية، وهي بايدو، علي بابا، تنسنت وشاومي. والتي يشار إليها بـ”BATX”.
تعوّل الصين على هذه الشركات في سعيها المحموم لفرض سيطرتها على العالم، وتسعى لكي تصبح القوة الأولى مع نهاية العام 2049.
وهناك من يقارن اليوم الهيمنة الصينية والأميركية ومحاولة اقتسام العالم، بالتجربة الإسبانية والبرتغالية في القرن السادس عشر، حيث تمّ اقتسام أفريقيا وأميركا الجنوبية بين الدولتين.
ويعتقد خبراء أن للصين ميزات إضافية تؤهلها لتجاوز الولايات المتحدة، بسبب نظامها القائم على السلطة المطلقة للحكومة، بينما تواجه الولايات المتحدة وضعا معقدا، في ظل نظام ديمقراطي، ويشيرون هنا إلى خروج العاملين في غوغل معترضين على تعاون الشركة مع الجيش الأميركي.
بينما يقلل آخرون من أهمية ذلك، فالحكومة في الظروف الاستثنائية تستطيع أن تفرض من خلال مجلس الشيوخ والسلطة الممنوحة للرئيس أيّ قرار يتعلق بأمن البلاد. وتشكل الشركات الأربع في كل من الصين والولايات المتحدة “رأس الحربة”، التي تتيح لكل منهما فرصة لفرض هيمنتها على دول العالم.
مخاوف على الديمقراطية
ولفهم ما يحدث يجب أن ندرك أن الذكاء الاصطناعي ليس قضية اقتصادية فقط، ولا هو مجرد روبوت يلعب الشطرنج ويعزف الموسيقى ويخدمك في منزلك.. الذكاء الاصطناعي بات يشكل أداة هيمنة وسيطرة.
وتخصص بكين وواشنطن استثمارات هائلة في هذا المجال، وإن كانت الحكومة الصينية قد خصصت مبالغ أكبر نسبيا تستثمرها لتطوير الذكاء الاصطناعي.
وبينما يركز العالم على جهود الصين لإحياء طريق الحرير، الذي ترى فيه أوروبا طريقا للاستعباد، وفق كتاب “هل يقتل الذكاء الاصطناعي الديمقراطية؟” لمؤلفيه، لورنت ألكسندر وجان فرنسوا، تركز الأجندة الصينية للعام 2025 على إنتاج أبطال تقنيين في تكنولوجيا الذكاء، وفي الخوارزميات والمعالجة الدقيقة للبيانات.
ويطمح الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، وذلك بأن يوظف الذكاء الاصطناعي توظيفا مزدوجا، يهدف من خلاله إلى السيطرة على المواطنين داخليا، والتحول إلى قوة أولى في العالم.
الجميع يعرف غوغل، وأبل، وفيسبوك، وأمازون، وقلة فقط تعرف علي بابا، وبايدو، وتنسنت، وشاومي الصينية، وإن كانت لا تقل أهمية عن الشركات الأميركية.
استطاعت الصين في وقت وجيز نسبيا، أن تتبوّأ قمة الهرم بين الدول الرائدة في مجال البحث العلمي، ولأول مرة تسجل اليوم براءات اختراع تتجاوز بكثير ما يتم تسجيله في الولايات المتحدة.
وبالطبع يشكل هذا مصدر قلق لصناع القرار في الولايات المتحدة، وعبرت ابرز المؤسسات الإعلامية، مثل فايننشال تايمز، ونيويورك تايمز، وفورين أفيرز عن مخاوفها من التقدم الصيني في الذكاء الاصطناعي المطبق في الميدان المالي، والذي رأت فيه تهديدا للمؤسسات المالية الغربية.
وتغيب أوروبا عن هذا التسابق الحضاري، واليوم تبدو القارة العجوز أضعف، كما يقول خبراء، من أن تدخل سباق القرن الجديد.
واضح أن الصين تركز بشكل خاص على القارة الأفريقية، أكثر من أي مكان آخر، وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي في نهاية عام 2018 للقول إن “مستقبل الفرانكفونية مهدد في أفريقيا”، فقد أقامت الصين “جدار حماية كبير” سمح للحزب الحاكم بالسيطرة على شبكة الإنترنت بأكملها.
وسبق أن أعلن إريك شميدت، مدير سابق لغوغل، قلقه منذ خمس سنوات من النتائج المترتبة على تجزئة الشبكة إلى عدة كيانات جيوسياسية. فمن الممكن، حسب رأيه، للبلدان المرتبطة بالصين اقتصاديا “التزود ببنى تحتية صينية بدل اعتماد المنصة المسيطر عليها حاليا من الولايات المتحدة”.
طموح الصين يتمحور حول “طريق حرير جديد” يربط أوراسيا وأفريقيا، بممرّات أرضية وبحرية ورقمية ويسمح للصين أن تعمم نموذجها السياسي والاقتصادي.
هذه التبدلات الجيواستراتيجية والجيواقتصادية لطريق الحرير الجديدة كبيرة إلى درجة أن الرئيس الصيني أعلن خطة من 60 مليار دولار لتكوين علماء أفارقة لدعم النمو التكنولوجي.
وكانت “علي بابا كلاود”، ذراع الحوسبة السحابية في “مجموعة علي بابا”، قدمت دعما لنسبة كبيرة تبلغ 38 في المئة من شركات “فورتشن 500” خلال السنة المالية الماضية.
وتخطط الشركة لتسريع استراتيجيتها في ظل جهود العولمة، سعيا لتحقيق موقع الريادة في الذكاء الرقمي على مستوى العالم، خلال السنوات الثلاث القادمة.
وضمن فعاليات “قمة علي بابا كلاود 2020″، قال جيف تشانغ، رئيس شركة “علي بابا كلاود إنتيليجانس”، “نحن واثقون من مستقبل الاقتصاد الرقمي العالمي إلى حدّ كبير، وخاصة مع ما نشهده من رقمنة الرعاية الصحية والأعمال والتعليم والترفيه، وغيرها من الجوانب الأخرى لحياتنا خلال أزمة كوفيد – 19.
وباعتبارنا أكبر مزوّد للخدمات السحابية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، سنواصل زيادة استثماراتنا على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتعزيز بنيتنا التحتية، والحلول التي نقدمها، ومساهمتنا في منظومة عمل التكنولوجيا على نطاق أوسع، بهدف ترسيخ مكانتنا كشريك موثوق ومفضّل، في إطار يتجاوز منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.
خدمات سحابية
وطوال السنوات الماضية، استمر تصنيف شركة “علي بابا كلاود” كأكبر مزوّد للخدمات السحابية العامة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفي المرتبة الثالثة على مستوى العالم، وفق جميع معايير الأطراف الخارجية ذات الصلة.
وتدعم الشركة خطة استثمارية غير مسبوقة بقيمة 28 مليار دولار أميركي تم الإعلان عنها لأول مرة في أبريل الماضي، وتهدف إلى توسعة وتعزيز البنية التحتية لشركة “علي بابا كلاود” ومجموعة منتجاتها، بالإضافة إلى توسعة نطاق تقديم الخدمات، وإنشاء المزيد من مراكز بيانات الجيل الجديد حول العالم.
والآن، تدير الشركة 63 موقعا في 21 منطقة حول العالم، بما يدعم احتياجات الشركات في أكثر من 200 دولة وإقليم.
ولا تخفي الشركة التزامها بتوسعة نطاق دعمها للشركات العالمية، والعمل على مشاركتها في تشكيل الواقع الرقمي الجديد، حيث أصبحت الرقمنة القوة الدافعة الأساسية للتنمية الاقتصادية العالمية، ولتعزيز المزيد من الانتعاش الاقتصادي العالمي في أعقاب انتشار جائحة كوفيد – 19.
وإلى جانب مبادرتها بتقديم 283 مليون دولار أميركي لتسريع مشاريع الابتكار المشترك مع شركائها، خلال هذه السنة المالية، تخطط أيضا لتطوير استراتيجيتها الناجحة في بوابة “تشاينا جيت واي” لتصبح بوابة عالمية لدخول الشركات الدولية إلى آسيا.
وستساعد ترقية البرنامج الشركات متعددة الجنسيات في ترسيخ القدرات الشاملة لبنية تكنولوجيا المعلومات، وتحسين شبكة الشركة عبر منصة “علي بابا كلاود” للذكاء الرقمي.
وأضاف تشانغ “مع الوقت، ستمر أزمة كورونا مع كلّ ما تسببت فيه من آلام، ويبقى شاغلنا الرئيسي كيفية مساعدة الشركات، كبيرة كانت أم صغيرة، على اغتنام الفرص الواعدة خلال المرحلة القادمة من التعافي”.
المصدر: العرب اللندنية