هل حان أوان اللجوء إلى احتياطي الذهب؟

مع أزمة الكورونا، وتقلص احتياطيات مصرف لبنان النقدية، وازدياد الحاجة الى استيراد المواد المعيشية، والأجهزة والمعدات والمواد الطبية، يعود الحديث الآن عن احتمال اللجوء الى الاحتياطيات الذهبية، لا سيما إذا تعرقلت المفاوضات في ملف «اليوروبوندز» مع الدائنين الأجانب، أو لم تؤدّ الاتصالات مع صندوق النقد الدولي الی قروض مالية.

والملفت انه قبل الأزمات والتطورات الراهنة، كان مجرد الحديث عن استخدام الذهب، «هرطقة» اقتصادية، تسيء الى سمعة لبنان المالية والثقة العالمية بعملته الوطنية. أما الآن، مع اشتداد الأزمة المالية والصحية، بات الحديث عن استخدام الذهب في بيعه أو رهنه، يثار في كل مناسبة. برغم ان حاكم مصرف لبنان ما زال في طليعة المعترضين على استخدام الذهب، معتبرا ان الأزمة النقدية والمالية الراهنة سوف لن تصل بالضرورة الى علاج «الكي بالمعدن الاصفر»!

يضاف ان الاحتياطيات الذهبية لم تعد وحدها العامل الرئيسي في التقييم المالي والاقتصادي لأي دولة، منذ أن انفصلت الولايات المتحدة في عهد الرئيس نيكسون الدولار عن الذهب وأطلقت «رصاصة الرحمة» على اتفاقية «بريتون وودز» التي جمعت الدولار والذهب في رباط وثيق، ودخلت بعدها في تقييم أي عملة عوامل أخرى منها قوة الاقتصاد، وحجم الناتج الاجمالي، والثروات الطبيعية والموارد التصديرية والخدماتية والسياحية التي كان يرد الى لبنان منها قبل محنته الاقتصادية ما يغنيه حتى عن مجرد الحديث عن استخدام الذهب أو بيعه أو رهنه.

والدليل انه حتى في ذروة حرب الـ ١5 عاما جرى «تحييد» الذهب عن السياسة والسياسيين ومنع استخدامه بأي شكل من الأشكال بموجب القانون ٤٢ الذي أقرّه مجلس النواب العام ١٩٨٦، واستمر لبنان بعده وما يزال، الدولة العربية الثانية بعد المملكة العربية السعودية، والدولة الـ ١٨ بين ٩٦ دولة، في حجم احتياطي الذهب الذي بلغ في لبنان ١٠ ملايين و١٦ الف و٥٧٢ أونصة أو 286,6 طن تجمعت منذ الاستقلال وعلى مدى ٧٧ عاما لدى الدولة وبعدها لدى البنك المركزي، قبل أن ينتقل حوالي ٧٥% منها الى مخزن «فورتنوكس» في ولاية «كانتاكي» الأميركية، (مع جزء ربما في سويسرا؟) والباقي في مصرف لبنان.

والسؤال الآن، هل يمكن للبنان استرداد كل احتياطه الذهبي أو حتى جزء منه من الولايات المتحدة؟

هنا تتباين الآراء بين من يعتبر ان الولايات المتحدة غير الراضية عن توجهات لبنان السياسية – بما في ذلك درجة من عدم الرضى عن تركيبة أو مواقف الحكومة الحالية ـ قد تستخدم العجز المعلن من قبل الدولة اللبنانية عن دفع ديونها، اضافة الى التصنيفات الدولية المتدنية لأوضاع لبنان المالية والاقتصادية، كذريعة للتريث في الموافقة على طلب لبنان استرداد الذهب بعيداً عن الاحتمالات القضائية، لا سيما اذا لم تتوصل الدولة اللبنانية الى تسويات أو أي ترتيبات لجدولة أو اعادة هيكلة لسندات «اليوروبوندز».

وهذه الذريعة الأميركية المحتملة شبيهة باجراءات الحجز الاحتياطي التي تبدأ عادة قبل البدء بالمقاضاة أو لدى الطعن في انتقال ملكية ما من فريق الى فريق آخر في حال اثبات وجود تعثر مالي لدى الفريق الأول الأصلي بعد اجراء عملية نقل الملكية. وهذا الطعن في العملية قد يحصل قبل المقاضاة، فكيف اذا حصلت الآن من قبل الدائنين الأجانب ضد الدولة اللبنانية التي ينصحها المستشارون الحاليون بأحد الحلين: أما أن تسارع الى استرداد الذهب من «الخزان» الأميركي قبل حصول اعتراضات أو مقاضاة تعرقل هذا الاسترداد لأسباب قانونية أو ربما سياسية أو مالية من جانب الولايات المتحدة، أو أن تواجه أي مقاضاة من قبل الدائنين الأجانب بحجة أن مصرف لبنان، وليس الدولة اللبنانية، هو المالك الوحيد للذهب المسجل باسمه لدى الولايات المتحدة بما يفشل أي محاولة لاحتجازه، أو لوضع أي حجز احتياطي عليه مقابل الديون المستحقة على الدولة وليس على مصرف لبنان المالك الوحيد للذهب.

علما ان الولايات المتحدة سبق ان امتنعت عن إعادة أو وافقت على اعادة أجزاء قليلة جداً من الذهب لدول عدة، وتحت ذرائع وأسباب متعددة، منها المانيا وهولندا وتركيا وفنزويلا.
أطنان احتياطيات الذهب
الهند560,3روسيا1909,8
هولندا612,5فرنسا2436,0
اليابان765,2ايطاليا2451,8

سويسرا1040,0المانيا3371,0
الصين1842,6أميركا8133,5
علماً ان لبنان هو الدولة 18 بين 96 دولة في احتياطي الذهب البالغ 286,6 طن تشكل 10 ملايين و16 ألف و572 أونصة.
احتياطي أطنان الذهب في البلاد العربية
اسم الدولةاحتياطي أطنان الذهباسم الدولة احتياطي أطنان الذهب
السعودية322,9لبنان286,8
الجزائر173,6ليبيا143,8
الكويت79,0مصر75,6
المغرب22,0الأردن12,4
قطر12,4تونس6,7
البحرين4,7اليمن1,6
علما أنه اذا احتسبنا نسبة احتياطي الذهب الى مجموع الاحتياطيات النقدية والذهبية في هذه البلدان فإن لبنان احتل المركز الأول في اللائحة. حيث بلغ مخزون الذهب لديه حوالي 30% من مجموع احتياطياته الاجمالية من العملات والذهب، ويليه مصر التي شكل مخزون الذهب لديها 24% من مجموع احتياطياتها الاجمالية.

مصدرذو الفقار قبيسي - اللواء
المادة السابقةالمركزي السوري ينصح بعدم التعامل مع منصات “تسعى لضرب الاقتصاد”
المقالة القادمةمخاطر اقتصادية قد تقلص تدفقات الأموال على مصر