أعاد الوضع المأسوي في لبنان على صعيد تزايد أعداد الطوابير اليومية أمام محطات التزود بالوقود وأفران الخبز والنقص الحاد بالأدوية والمستلزمات الصحية الأساسية رسم صورة سوداوية في بلد يكافح للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية منذ انتهاء الحرب الأهلية. ويعاني اللبنانيون، في ظل فقدان عملتهم المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها، أوضاعا اقتصادية صعبة وسط انسداد في الأفق السياسي لإيجاد حلّ لأزمة تشكيل حكومة جديدة. ويؤكد مواطنون لبنانيون أنهم يريدون التخلّص من كابوس اسمه “غير موجود” لكل مستلزماتهم الأساسية أكثر من إنهاء مشكلة الحكومة المتفاقمة والخلافات بشأنها بين رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري والرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل.
وتقول الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان في تقرير موسع حول تداعيات الأزمة الاقتصادية المتواصلة، إن “سعر البنزين فاق السبعين ألف ليرة وربطة الخبز وصلت إلى حدود 4 آلاف ليرة ومرشحة للارتفاع، ناهيك عن الأدوية والمستلزمات الطبية وأزمة المستشفيات، فضلا عن سعر الدولار الذي اقترب من 18 ألف ليرة مع تخوف من ارتفاعه أكثر”.
وتوضح الوكالة الرسمية في تقرير حمل عنوان “هل قدر اللبنانيين الجوع والفقر؟”، أنه “في ظل هذا الواقع المأسوي والصورة السوداوية لحياة اللبنانيين أقر مجلس النواب (بتاريخ 30 يونيو) البطاقة التمويلية للتخفيف قدر الإمكان من الأزمة الاقتصادية والمالية التي أنهكت كاهل الشعب اللبناني، لاسيما من الطبقتين الوسطى والفقيرة اللتين تخطت نسبتهما 70 في المئة. وبات 55 في المئة من الشعب تحت خط الفقر، على وقع أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي بين الثلاث الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
ويقول الخبير الاقتصادي اللبناني باتريك مارديني إن “المشكلة الأساسية في البطاقة التمويلية هي في تمويلها، حيث تتجه الحكومة إلى الاحتياطي الإلزامي الموجود في مصرف لبنان والذي يبلغ نحو 14 مليار دولار”.
وتنقل الوكالة الرسمية عن تقرير لليونيسيف لفت إلى أن أكثر من 30 في المئة من الأطفال في لبنان ينامون ببطون خاوية لعدم حصولهم على عدد كاف من وجبات الطعام، وأن 77 في المئة من الأسر لا تملك ما يكفي من غذاء أو من مال لشراء الغذاء. وتشير إلى أن 60 في المئة من الأسر تضطر إلى شراء الطعام عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو من خلال الاقتراض والاستدانة وأن 30 في المئة من الأطفال في لبنان لا يتلقون الرعاية الصحية الأولية التي يحتاجون إليها.
وتسبب انهيار العملة في لبنان في حدوث انقسام حادّ بين الأقلية المريحة التي يكون دخلها في ما يسمى بالدولارات الجديدة التي يمكن سحبها من البنوك، وأولئك الذين يُدفعون أكثر إلى براثن الفقر، بما في ذلك الأعضاء السابقون في الطبقة الوسطى المتلاشية التي اختفت قوتها الشرائية.
وتتجدد الاحتجاجات المناهضة للحكومة باستمرار في جميع أنحاء البلاد بسبب الضرائب وتدهور أزمة العملة وسط حالة من عدم اليقين، كما انعكست أزمة كورونا وما تلاها من عمليات إغلاق فرضتها الحكومة على الحياة اليومية للمواطنين اللبنانيين.
ويتجه الآن الكثير من اللبنانيين الذين يقضون إجازتهم في الخارج في الصيف إلى السياحة الداخلية، حيث الخيار الأكثر عملية بسبب قيود السفر والدولارات المحاصرة في البنوك ونقص بطاقات الائتمان العاملة. ومن شأن هذا الأمر أن يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المتدهور حيث تغيرت البلاد بشكل جذري خلال العامين الماضيين، ولم تعد وجهة للحياة الليلية وسياحة المدينة والأشياء التي يعرفها الناس. وتقول جمانة بريحي، عضو مجلس إدارة جمعية درب الجبل اللبناني، “هناك اهتمام أكبر من اللبنانيين بالسفر داخل بلادهم”، حيث تحتفظ الجمعية بمسار للمشي لمسافات طويلة يبلغ 290 ميلا (470 كيلومترا) يمتد عبر البلاد من الشمال إلى الجنوب.
ويقول الكثيرون في الصناعة إن عدد السياح المحليين قد زاد بشكل كبير منذ تخفيف الإغلاق في البلاد في أبريل، وإنهم يتوقعون أن يروا الوافدين يتراكمون وينفقون هذا الصيف على الرغم من عدم الاستقرار، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية.