بعدما أجمعت القطاعات على التحذير من الدخول في الحرب وتداعياتها على الاقتصاد، ورغم حالات الاستنفار كان لافتاً الاستقرار المستمر حتى الساعة في الوضع النقدي الذي يبدو الاكثر ارتياحاً مع صمود سعر الصرف على 89500 ألفاً مقابل الدولار في السوق السوداء. فإلى متى يمكن المحافظة على هذا الاستقرار؟ وهل من توقعات بارتفاع سعر الدولار في المرحلة المقبلة؟
حتى الآن يبدو انّ الأوضاع الامنية لا تزال تحت السيطرة، رغم ان الخسائر جراء التصعيد جنوبا بدأت تظهر للعلن. فالقطاع الخاص أكد أكثر من مرة ان اقتصادنا غير قادر على تحمل تداعيات الحرب، استشفائياً القطاع غير قادر على الصمود أكثر من 72 ساعة في حالة الحرب، سياحياً بدأ تشغيل عداد الخسائر مع بلوغ نسبة إلغاء حجوزات القادمين الى لبنان الـ50% وارتفاع اعداد المغادرين مع توسع اعداد الدول التي طلبت من رعاياها المغادرة في أسرع وقت، وقد اعلن نقيب رئيس إتحاد النقابات السياحية بيار الأشقر إلغاء حجوزات سياحية اوروبية بفعل التصعيد جنوباً متوقعاً ان «تخسر المؤسسات السياحية في فصل الخريف الأرباح التي جَنتها في فصل الصيف».
الا انه وفي خضم المشهد العام المُقلق، ورغم قرع طبول الحرب، كان لافتاً صمود سعر الصرف في السوق السوداء والحديث عن انّ موظفي القطاع العام سيقبضون راتبهم هذا الشهر ايضاً بالدولار؟ فما سر استقرار سعر الدولار مقابل الليرة؟ وهل للأمر علاقة بسياسة حاكمية مصرف لبنان؟
في السياق، عَزا الخبير الاقتصادي باسم البواب لـ«الجمهورية» استقرار سعر الصرف رغم الاضطرابات الامنية الى الاقتصاد المدولر، ففي السابق كانت رواتب القطاعين العام والخاص بالليرة اللبنانية بينما اليوم بات الاقتصاد مدولراً فالغالبية تقبض بالدولار وتدفع بالدولار أكان ذلك في السوبرماركات او الصيدليات، محطات المحروقات، المطاعم الفنادق المتاجر… فنادراً ما تجد في محفظة اللبناني العملة اللبنانية لا سيما بعدما عمل المركزي على تجفيف الليرة من السوق والذي ادى الى تقليص الكتلة النقدية بالليرة. وعليه، لا يملك المواطنون اليوم الليرة اللبنانية ليتهافتوا على شراء الدولار، فنحن بتنا كأننا نعيش في أميركا نقبض بالدولار ونصرف بالدولار ونادراً ما نستعمل الليرة. حتى انّ موظفي القطاع العام لا يزالون يقبضون رواتبهم بالدولار رغم ان حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري أعلن اننا لن نستنزف الدولار ولن ندفع بالدولار الا انه مستمر في دفع الرواتب به. في الواقع، هناك عرض للدولار أكثر من الطلب، بحيث ان التجار يبيعون الدولار لغرض الحصول على الليرة اللبنانية لدفع متوجباتهم من ضرائب ورسوم للدولة.
وأكد البواب انّ السوق مضبوطة اليوم بسبب ما تحويه من كتلة بالدولار وليس بسبب تدابير يتخذها المركزي، لافتاً الى انه حتى لو دخلنا في الحرب فإنّ سعر الصرف سيحافظ على استقراره لأنّ الكل يملك الدولار ولا يملك الليرة التي ترفع الطلب.
ولدى سؤاله اذا كان الضرر اللاحق بالسياحة وإلغاء الحجوزات سينعكس سلباً على سوق الصرف خصوصاً أن السياحة تُعد من القطاعات الاساسية الرافدة للدولار؟ قال: لن يكون لتضرّر القطاع السياحي في الوقت الراهن تأثير على سعر الصرف لأنّ الدولار سيستمر بالدخول الى لبنان أكان ذلك من تحويلات المغتربين او من التصدير، لكن الكارثة الكبرى ستكون على الاقتصاد إذ انّ إقفال الفنادق أو المطاعم سيؤدي الى رفع حجم البطالة وتالياً المزيد من التراجع على القدرة الشرائية. وكشف انه اليوم وقبل دخول لبنان في الحرب تراجعت الحركة في السوق نتيجة التوتر والقلق وإلغاء الحجوزات وإلغاء مؤتمرات ورحيل الرعايا، بحيث تقدّر خسارة الاقتصاد اليومية بما بين 20 الى 25 مليون دولار.
أما في حال دخول لبنان في الحرب فمن المتوقع ان ترتفع الخسارة غير المباشرة على الاقتصاد الى نحو 100 مليون دولار يومياً، هذا عدا عن الدمار الذي ستخلّفه وكلفة اعادة الاعمار. أضِف الى ذلك انقطاع السلع من الاسواق وعلى رأسها المحروقات من غاز وبنزين ومازوت وذلك رغم كل التطمينات السائدة اليوم. وأوضَح: صحيح انّ لدينا مخزوناً يكفي لثلاثة اشهر، لكن في حالة الحرب ونتيجة الهلع والخوف والتوجه نحو التخزين ينتهي المخزون في غضون اسبوع الى 10 ايام، وإذا ما أقفل المطار والمرفأ فمن اين سيؤمّن البديل؟ كما دعا للتنبّه الى عامل ارتفاع الاسعار نتيجة ارتفاع كلفتي التأمين والشحن والذي يخشى ان تتراجع حركته او تتوقف كلياً.
وما بين حرب تموز 2006 وحرب جديدة قد تندلع راهناً، قال البواب: في الامس كان لدينا قطاع مصرفي فاعل وكان يمكن تحويل الأموال بسهولة ودفع رواتب الموظفين المُوطّنة، أما اليوم إذا لم تقبض الشركات نقداً فلا يمكنها ان تدفع لموظفيها ولا للموردين في الخارج من دون تأمين الكاش للمصرف.