يكثر الحديث في كواليس مصرف لبنان عن مصير هيئة الأسواق المالية، وجدوى الإبقاء عليها واستمرار تمويلها. وعلى الرغم من نفي مصدر مقرّب من حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، نية الأخير إغلاق الهيئة، غير أن مصدراً آخر من المجلس المركزي لمصرف لبنان، أكد في حديث إلى “المدن” جدّية التوجه إلى تعطيل الهيئة كلّياً، من خلال عدم تمويلها. ويقول المصدر أن هيكلية هيئة الأسواق المالية باتت أكبر من حجم السوق ومن حاجة البلد. من هنا تفرض العديد من التساؤلات نفسها حول جدوى الهيئة، ومهامها، وأهمية تفعيلها في ظل الأزمة الحالية، وتمويلها.. وغير ذلك.
شلل الهيئة متعمّد!
ينتقد مصدر من المجلس المركزي لمصرف لبنان عدم فاعلية هيئة الأسواق المالية مؤخراً، ويقول في حديثه إلى “المدن”، بأن لا دور فاعلاً اليوم للهيئة. وهي غير مستقرة في المرحلة الراهنة. ولا يعي أعضاؤها دورهم ومهامهم في المرحلة المقبلة. لافتاً إلى أن البلد اليوم لا حاجة له لهيئة أسواق مالية بحجم الهيئة الحالية.
وحسب المعلومات، يرفض منصوري الاستمرار بتمويل الهيئة، ما من شأنه “شل” عملها كلّياً. لا يمكن حل الهيئة لا بقرار من منصوري ولا من سواه، باعتبار أن تأسيسها جرى بموجب قانون صادر عام 2011. وبالتالي، لا يمكن حلها إلا بقانون. لكن يسهل على منصوري تعطيلها كلّيا وتحويلها الى مؤسسة “منحلة” عملياً، من خلال الاستمرار بوقف تمويلها.
مع الإشارة إلى أن إيرادات هيئة الأسواق المالية نظرياً تعود إلى الاشتراكات والملفات الواردة إلى الهيئة، بالإضافة إلى موارد أخرى، بينها مساهمات المصارف والمؤسسات المالية ومن بورصة بيروت. ولكن عملياً توقف دفع المؤسسات بقرار سابق من حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، من منطلق تشجيعها. وأجرى سلامة حينها هندسة مالية مول من خلال سندات الخزينة هيئة الأسواق المالية. وتالياً، حافظت الهيئة على هذا الواقع إلى حين وقوع الأزمة وتراجعت قيمة الليرة، بالإضافة إلى استحداث قرار لدى المجلس المركزي لمصرف لبنان، تمثل برفض الاستمرار في تمويل الهيئة كلّياً.
باختصار، لا تمويل للهيئة منذ قرابة 6 أشهر بقرار من المجلس المركزي لمصرف لبنان، الذي يرفض بغالبية اعضائه التمويل. وعليه، بدءاً من العام 2024 سينتهي دور هيئة الأسواق المالية ما لم تتوفر الأموال. من هنا يتضح أن القرار بتعطيل الهيئة التي تضم 47 موظفاً قد اتخذ، إلا في حال تأمين إيرادات مالية بقيمة مليون دولار لنفقاتها السنوية.
الإصلاحات تبدأ من الهيئة
وإذا كان قرار وقف تمويل هيئة الأسواق المالية غير مستند إلى رؤية واضحة لدى مصرف لبنان، فإن كثيرين يرون في إعادة إحياء الهيئة مخرجاً للأسواق المالية، وجزءاً من حل الأزمة القائمة حالياً.
ويقول مسؤول التواصل والبحوث في هيئة الأسواق المالية طارق ذبيان، في حديث إلى “المدن”، إن المؤسسات المالية والمصارف كما الهيئة شبه معطلة اليوم، بفعل الأزمة المالية والنقدية، بانتظار تنفيذ إصلاحات باتت واضحة للجميع، “ولكن إن كان هناك من جدية بالتعاطي مع الأسواق المالية، فثمة فرصة لإعادة رسملة القطاعات من خلال الأسواق المالية، خصوصاً بعد تعطل عمليات التسليف من قبل المصارف”. فآلية التمويل الوحيدة اليوم يمكن أن تتأتى من الأسواق المالية، حسب زبيان.
منطقياً إن كانت السلطة مستعدة لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، فعليها أن تؤمن الأرضية. ولا شك أن هيئة الأسواق المالية يمكنها أن تكون جزءاً من هذه الارضية، يقول ذبيان. فأحد أدوارها الأساسية تأمين الأرضية لتحريك عمليات التمويل طويلة الأمد. ومن المفترض أن يكون هناك رؤية واضحة وجدية من مصرف لبنان ووزارة المال وغيرها من أصحاب القرار، حيال هيئة الأسواق المالية.
وبالعودة إلى مصادر المجلس المركزي لمصرف لبنان، فالأخير ينتظر استعادة النشاط المالي والاقتصادي للإقدام على إعادة إحياء هيئة الأسواق المالية. في حين يرى ذبيان عكس ذلك تماماً ويقول أنه “لو كان هناك نية جدية للإصلاح كان على مصرف لبنان والسلطة المالية تفعيل دور هيئة الأسواق المالية لا العكس”. وبحسب ذبيان “الحل يبدأ من الهيئة وليس العكس” مستشهداً بالأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009 ويقول أن كل “الازمات في العالم تبدأ بالحل من أسواقها المالية. فالبلد الذي يتمتع بارتكاز على الأسواق المالية يخرج من أزماته بسرعة. وهذا أمر لمسناه في الولايات المتحدة الأميركية عام 2008 و2009 على عكس دول أوروبية لم تتمكن من الخروج تماماً من الأزمة حتى اليوم”.
تسود الضبابية بالتعاطي مع هيئة الأسواق المالية، وربما عدم وضوح الرؤية لدى القيمين على الملف المالي وواضعي السياسات المالية. وهو أمر ملموس وواضح من التضارب بالآراء في مصرف لبنان وعدم وضوح الخطوة المرتقبة لجهة التعاطي مع هيئة الأسواق المالية.
ماهية الهيئة
هيئة الأسواق المالية (CMA) هي هيئة تنظيمية مستقلة تم تأسيسها بموجب قانون صادر عام 2011. وتتمثل المسؤولية الرئيسية لهيئة أسواق المال في تنظيم أنشطة أسواق رأس المال اللبنانية والإشراف عليها وترخيصها ومراقبتها.
لدى هيئة الأسواق المالية هدفان رئيسيان. يتمثل الأول بتعزيز أسواق رأس المال اللبنانية وتطويرها، والثاني بحماية المستثمرين من الأنشطة الاحتيالية، من خلال إصدار الأنظمة التي تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، والرقابة والتدقيق المناسبين على جميع المؤسسات التي تتعامل مع الأدوات المالية. بالإضافة إلى ترسيخ الثقة في أسواق رأس المال اللبنانية من خلال تعزيز نزاهتها والحفاظ على جاذبيتها للمستثمرين من خلال تطوير الأسواق المحلية لخدمة الاقتصاد الوطني بشكل أفضل.
يترأس مجلس إدارة هيئة الأسواق المالية حاكم مصرف لبنان ويتألف المجلس من 7 أعضاء بينهم أمين السر فادي خلف ومدير وزارة المالية (شاغر حالياً) ومدير عام وزارة الاقتصاد ورئيس لجنة الرقابة على المصارف إلى جانب 3 خبراء (بورصات ومال ومصارف).