واقع الزراعة يقسو بشدة على منتجي القمح في سوريا

يعاني مزارعو القمح في سوريا من قلة المحصول ونقص الوقود والأسمدة وارتفاع أسعار البذور، الأمر الذي يبدد فرص حصولهم على بعض الأموال لإدارة شؤونهم في ظل وضع ضاغط لم يسبق لهم أن مروا به سابقا.

ولكن يبدو أن الموسم الحالي، الذي كان سيئا على كافة المقاييس في ظل محصول قمح مخيب للآمال سيوجه ضربة أخرى إلى الإمدادات الغذائية في بلد يكافح أزمة مناخ تنضاف إلى جبل أزماته المزمنة.

وتحولت أغلب المناطق الزراعية وخاصة في شمال البلاد خلال الموسمين الحالي والماضي إلى أراض جافة جراء انحباس الأمطار والتغير المناخي وطول فترة فصل الشتاء والذي أتى على الأشجار المثمرة والمحاصيل الشتوية.

وأكثر المناطق تضررا بموجة الجفاف، هي مناطق شمال شرق البلاد والتي تعرف بـ”الجزيرة”، ومساحتها أكثر من 35 في المئة من مساحة البلاد التي تبلغ 185 ألف كيلومتر مربع.

وفي السابق كانت تلك المنطقة تعتبر سلة غذاء السوريين في مختلف المحاصيل وخاصة الاستراتيجية منها والمتمثلة في القمح والشعير والقطن والذرة الصفراء، إلى جانب ثروة حيوانية ضخمة.

وأكد محمد حسين أنه يزرع حوالي خُمس المساحة التي كان يزرعها في العادة، خلال هذا الموسم بسبب الصعوبات التي تفاقمت بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة العالمية وهو أحد الآثار الجانبية لحرب أوكرانيا.

وقال حسين (46 عاما) لرويترز فيما كانت آلة حصادة تشق طريقها عبر حقل قمح خلفه في قرية بالقرب من مدينة القامشلي على الحدود مع تركيا “نعاني من نقص في المازوت (الديزل) والأسمدة باهظة الثمن”.

ويعتبر الشمال الشرقي حيويا لإنتاج الحبوب بالبلاد، لكن السلطات التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على المنطقة لا تتوقع أن يلبي محصول هذا العام احتياجات منطقتهم، ناهيك عن السماح بالإمدادات إلى أجزاء أخرى من سوريا.

وهذا الواقع ينضاف إلى الصورة القاتمة لإنتاج القمح السوري الذي تراجع منذ اندلاع الحرب في 2011، مما أثار مخاوف بشأن الأمن الغذائي في بلد تقول الأمم المتحدة إن الاحتياجات وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

ويقول عمران رضا المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا إن الدلائل الأولية تشير إلى موسم زراعي سيء آخر بعد محصول منخفض في 2021.

وعلى غرار الموسم الماضي، أكد أن الحصاد تأثر بتأخير بداية هطول الأمطار ونوبات جفاف موسمية مطولة، ووقف مبكر مدمر لهطول الأمطار. كما تأثرت المحاصيل بالتغيرات المناخية بما في ذلك الصقيع والارتفاع الحاد في درجات الحرارة.

وقال رضا “ارتفعت تكاليف الغذاء بشكل كبير والإنتاج والعرض منخفضان ومؤشرات الحصاد المقبل مقلقة للغاية”. وأضاف “نحن قلقون للغاية بشأن الوضع العام للأمن الغذائي”.

وقبل النزاع، اعتادت سوريا تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح مع إنتاج يتجاوز نحو 4.1 مليون طن سنويا في المتوسط، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، لكن مع توسع رقعة المعارك وتعدّد الأطراف المتنازعة، انهار الإنتاج إلى مستويات قياسية.

وتظهر الأرقام أن إنتاج سوريا من الحبوب انخفض العام الماضي إلى ما يقدر بأكثر قليلا من مليون طن في العام الماضي، بينما كان في العام الذي سبقة عند حوالي 2.8 مليون طن.

وباتت حكومة نظام الرئيس بشار الأسد مجبرة على الاستيراد خصوصا من حليفتها روسيا، التي تعد أبرز المنتجين والمصدرين إلى جانب أوكرانيا حيث يستحوذان لوحدهما على قرابة 60 في المئة من الإنتاج العالمي.

كما أنه لا يزال نحو 70 في المئة من إنتاج القمح خارج نطاق سيطرة الحكومة ووضعها بصفتها المشتري الوحيد وقد أجبرها ذلك على المنافسة بمضاعفة سعر الشراء في المواسم الماضية.

ومن غير المرجح أن تحصل دمشق على أي إمدادات من المزارعين في المناطق الخاضعة لسيطرة إدارة يقودها الأكراد في شمال شرق البلاد حيث يتم إنتاج أكثر من 60 في المئة من قمح البلاد.

ويراقب المتابعون للشأن السوري كيف يهدد انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية قرابة 60 في المئة من المواطنين، الذين يعانون أساسا من انعدام الأمن الغذائي، في بلد غالبية سكانه يعيشون تحت خط الفقر.

وبينما أن واردات القمح من روسيا، سدت بعض الفجوة، فإن انعدام الأمن الغذائي في البلد الممزق بات أكثر حدة من أي وقت مضى منذ بدء الحرب، بسبب عوامل من بينها انهيار الليرة.

ويقول برنامج الغذاء العالمي إن نحو 12.4 مليون سوري، أو ما يقرب من 70 في المئة من سكان البلاد اليوم، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وقالت نبيلة محمد المسؤولة البارزة التي تشرف على التنمية الزراعية في الإدارة التي يقودها الأكراد إنه “تم حتى الآن حصاد 379 ألف طن من القمح هذا العام في المنطقة”.

والحصاد المتوقع قد يصل إلى 450 ألف طن، أي أقل من 600 ألف طن التي ستكون ضرورية لتلبية احتياجات المنطقة، مما يعني أنه لن يكون هناك فائض لتزويد المناطق التي تسيطر عليها حكومة الأسد.

وأكدت محمد أنه في العام الماضي كانت هناك أمطار قليلة وكانت هناك أمطار هذا العام، لكنها لم تأت في الوقت المناسب.

وأشارت إلى أن حرب أوكرانيا أثرت أيضًا على المزارعين من خلال زيادة أسعار الأسمدة المستوردة.

وحتى الآن تم حصاد مساحة صغيرة من المناطق البعلية، حيث يعتمد المحصول غالبا على الأراضي المروية رغم أن محمد تقول إن حصاد هذا العام في الشمال الشرقي كان أفضل من الماضي بسبب إصدار المزيد من التراخيص لحفر آبار المياه.

وفي وقت سابق من هذا العام أشار خبراء فاو إلى أن المزارعين في المناطق البعلية فقدوا معظم محاصيلهم للعام الثاني على التوالي. وقالوا إن الموسم الزراعي الشتوي الماضي سجل أدنى مستوى إنتاج له منذ العام 2017 في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور.

ويؤكد المزارع محمد أحمد البالغ من العمر 65 عاما أنه عانى من خسائر فادحة بسبب الجفاف، واصفا أرضه بأنها “عبء أكثر من كونها أصلًا”.

وقال “نشكو من هذه الأرض التي تكبدنا خسائر منها لمدة عامين متتاليين. أعطيناها للرعاة لرعي مواشيهم”

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقة{المركزي} الأوروبي يكسر جمود الفائدة بعد 11 عاماً
المقالة القادمةموجة اندماجات تلوح في أفق قطاع الأعمال العالمي