مذهل هو هذا النهج المُلّح، الموصول والدؤوب، الذي يسلكه المعنيون لتجهيل هذا الشعب المنكوب؛ بالفعل يستغبي هؤلاء المواطن، يقنعونه أن علّة كل أزمة تكمن في جحرٍ مخفيّ، وهم – السّلطة الحاكمة وأصحاب القرار – يحاولون بأقصى طاقتهم سبر غوره والخروج بحلٍّ عجائبيّ. إلا أن المفارقة السّاخرة والقاسيّة، أن لا حلّ لديها سوى ترقيع فشلها، بأكثر الأساليب تحذلقًا وإلتواءً.
خرج اليوم، الخميس 28 آذار الجاري، وزير الشؤون الاجتماعيّة في حكومة تصريف الأعمال، هيكتور حجار، بمؤتمرٍ صحافيّ طمأن خلاله اللّبنانيين، بأن المساعدات ستصل لكل من يستحق، والمعوقات الّتي تتخلّل عمل بطاقة أمان في صدّد المعالجة، وشجب المواقف غير الجريئة في التعاطي مع ملف النزوح جنوبًا والجبهة الجنوبيّة. وتطرق لاحقًا إلى موضوعات أخرى كملف اللاجئين السّوريّين واتهم عندها المجتمع الدوليّ بالتخاذل عن إيجاد حلٍّ مُرضي للبنان، الذي تحمل عبئه على مدار 12 سنة، وواصفًا إقامة اللاجئين في لبنان بـ”الخطة” المواربة والمنهجيّة للتغيير في المنطقة وفي لبنان، وإن الخسارة في الملف، هو بمثابة خسارة الوطن..
هذا المؤتمر الذي انتهى لتأكيد أن العجز والفشل في صياغة سياسات اجتماعيّة واقتصاديّة لائقة، لا يُعالج بأعجوبة.
المساعدات وبطاقة أمان
بدايةً وبما يختصّ ببرنامج أمان و”الأكثر فقرًا” وكذلك برنامج “ذويّ الحاجات الخاصة”، أفاد الحجّار أنّه مستعد لرفع تقريرٍ مفصّل عن هذه البرامج وتضمينه بكافة المعلومات، أكان بما يتعلق بعدد السّاعات والتفاصيل الّتي رافقته في الوزارات ومجلسي النواب والوزراء. مُشبهًا الملف كالعربة الّتي تسير مع عشرة أحصنة كلٌّ يشدّ باتجاهٍ مختلف. إلّا أنّه بالتوازي، قال مطمئنًا الشعب اللّبنانيّ أنّه “قريبًا جدًا سيتمّ الانتهاء من التأخيرات والعقد والمشاكل في برنامج “أمان” وبأننا سنصل إلى نتيجة. ومن قبضوا 18 شهرًا في السّابق، سيقبضون مجدّدًا، ومن لم يقبضوها ستستكمل عمليّة الدفع لهم”.
وأضاف أنّ “الخطوات المتلاحقة في المتابعة على الرغم ان العربة يجرّها اكثر عشرة أحصنة، وعلى الرغم من حصول ثغرات ومشاكل يومية بيروقراطيّة محليّة وخارجيّة، ولن ادخل في تسمية الأسماء كي لا يحزن احد، ولكن البيروقراطيّة في كل مكان. فنحن عندما تصلنا اي ورقة أو معاملة نوقع عليها من دون اي تأخير ونسلمها، وعلى الرغم من كل الامور، أريد ان اُطمئن الشعب في هذا الشهر الفضيل في زمن الأعياد، نكون تخطينا كل المشاكل ونصل إلى ما يجب ان يؤمّن لأنه حق وليس مساعدات”. وكشف انه “في موضوع “الاكثر فقرًا” وصلت عدد الزيارات الى 36 ألف عائلة سيتمّ ضمها الى برنامج أمان، بالرغم من ان الفريق العامل لم يقبض راتبه منذ أكثر من سنة”.
وملف برامج الدعم والمساعدات الاجتماعيّة في ظلّ التقويض التاريخي لدور الدولة الاجتماعيّ، هو واحدٌ من أكثر الملفات الّتي شابتها العثرات في عمليّة صياغتها وتنفيذها، وتحديدًا في أوّج الأزمة الاقتصاديّة الحاليّة، بدءًا من المساعي الحثيثة للدفع نحو صرف المساعدات بالليرة اللّبنانيّة ثمّ لتخفيض الميزانيّة المُخصصة لبرامج الدعم، وأبرزها “أمان”، وصولًا للمماطلة في تنفيذ المشروع على مدى سنتين ونيف. هذا ومن دون التعريج على المزاعم الّتي اتهمت المعنيين وبالتواطؤ مع جهات سياسيّة، في عملية انتقاء المستفيدين على أساس استنسابيّ وغير عادل.
الجبهة الجنوبيّة والنازحين
أما بما يتعلق بأوضاع النازحين في الجنوب، وخطط الطوارئ المقرّرة، والمساهمات الرسميّة في أعمال الإغاثة والمساعدة والبحث عن تمويلٍ نسبة لعدم إمكانيّة الحصول على تمويلٍ دوليّ إذا ما تدخل حزب الله بالحرب، ونفاد أموال السّحب الخاصة من صندوق النقد الدوليّ التّي حصل عليها لبنان، ناهيك بعدم استعداد المصرف المركزيّ لصرف ما تبقى لديه من أموال الاحتياطي الإلزاميّ، قال حجّار إنّه: “في الجنوب هناك حرب، وهناك شهداء ودمار ولغاية اليوم لم ترصد أيّ أموال، لا من المجتمع الدولي ولا من الحكومة اللبنانية، للوقوف إلى جانب العائلات التي تركت منازلها، وأرزاقها احترقت. هذه صرخة على أبواب الأعياد، علينا ان نتنبه لهذا الخطر والانفجار. هؤلاء الأشخاص الذين تهجروا وتهدمت منازلهم، نحن بحاجة إلى ان يكون هناك قرار جريء بالوقوف إلى جانبهم”.
ولعلّ تصريح حجّار، المُتسم بالعموميّة والانفصال والتعامي عن السّياق السّياسيّ للأزمة المستجدّة، يُحاكي مزاج الحكومة اللّبنانيّة المُصرّة حتّى اللحظة، على تجاهل دورها في كل ما يجري في الجبهة الجنوبيّة وما أفرزته من أضرار ماديّة وإنسانيّة (حوالى 90 ألف نازح بحسب منظمة الهجرة الدوليّة، هذا العدد الذي يحتمل الزيادة). ووقوفها متفرجةً على هذه النكبة الّتي يعيشها أهل الجنوب، مبرّرة ذلك بالإفلاس العام والواقع الميدانيّ الذي يفرض نفسه، مستجديّة العون الدوليّ لتجاوز هذه الأزمة.
اللجوء السّوريّ
وتخلّل المؤتمر الذي أقامه الوزير تقديم ملف اللجوء السّوريّ كسببٍ محوريّ وأساسيّ في محنة لبنان الحاليّة، واسترسل حجّار بالقول: “تسنّى لي القيام بجولة أوروبيّة، في باريس وبروكسل، استمعت إلى وجهة نظرهم وحاولت ان افهم نهاية هذا المأزق الكبير. ما سمعته مهم جدًا وأكدّ ما سبق ان اكدّته حينما تسلمت مسؤوليتي في الحكومة. اليوم يبشرنا المجتمع الدولي بخفض المساعدات، وان لا حلول سياسية للموضوع، في المقابل هناك تبشير داخلي عبر المؤسسات المعنية بتنفيذ آلية المساعدات بانهم سيخفضون اعداد المستفيدين، وهم اساساً خفضوا الدعم وأوقفوه عن اللبنانيين، والأمر سار على العائلات السورية. وهم يتعاطون مع الموضوع بالارقام، اي “بوجود الاموال نعطي هذا المبلغ وبغيابها لا نعطي”. وكل الكلام هو ارقام بأرقام وكأننا في عالم آخر، وكأننا لا نتعاطى مع الفقراء ومع أشخاص يعيشون في الخيم ووضعهم الإنساني صعب ان كانوا لبنانيين او غير لبنانيين”.
وأضاف: “وفي الخطابات يقولون انهم يقفون بالحق مع النازحين السوريين، انما في الواقع الأمر مختلف”. مشيرًا إلى الأرقام الّتي كشفتها وزارة الشؤون الاجتماعيّة، سابقًا، والّتي “تكشف التكلفة الّتي يتكبدها لبنان جراء وجود مليونيّ و100 ألف نازح سوري على أراضيه”. حيث أوضحت أن التكلفة هي 50 مليار دولار بينما مساهمات المجتمع الدوليّ منذ بداية الأزمة لم تتجاوز 12 مليار دولار. ووفق التقرير الذي لم يذكر مصادر الإحصاءات ومنهجيتها، فإنّ خسائر لبنان في قطاع المياه بين 2015 و2022 تتخطّى المليار و633 مليون دولار. في حين أنّ خسائر الكهرباء بين 2014 و 2020 قد بلغت 23 مليار دولار. وعلى مستوى النفايات ينتج النازحون يومياً 1500 طن وتقدّر تكلفتها لـ8 سنوات بـ657 مليون دولار. وفيما يتعلّق بالقطاع الصحّي فأوضح التقرير أنّ التكلفة على البنية التحتية لهذا القطاع تتخطّى الـ611 مليون دولار. أما التكلفة في قطاع التربية فهي مليار و500 مليون دولار. كذلك ساهم النزوح السوري وفق التقرير بارتفاع نسبة البطالة في لبنان 35%، بينما تراجعت الصادرات بنسبة 30% وارتفعت نسبة الجريمة بـنسبة 30%.
وليست المرّة الأولى الّتي يتهم في حجّار المجتمع الدوليّ والمنظمات الإنسانيّة بالتواطؤ والتخاذل في إعانة لبنان الرسميّ على أعباء اللاجئين، وخصوصًا بعد التخفيضات في الميزانيّة لصالح تمويل مشاريع إغاثة ومساعدة ودعم أخرى، مع اشتعال الجبهات المسلّحة في الشرق الأوسط وشرقيّ أوروبا. هذه الاتهامات الرسميّة، بمثابة تأكيد على انفلات ملف اللاجئين السّوريّين من إطاره التّنظيميّ بسياساتٍ لائقة وحاكميّةٍ رشيدة وإنسانيّة، تراعي أوضاع المجموعات اللاجئة والمُهاجرة اضطرارًا وكذلك المجتمعات المضيفة، إلى حالة من الفوضى الشعبيّة والمخاتلة والمزايدة السّياسيّة والتأزم الإداريّ.