قال وزير المالية السعودية محمد الجدعان إن تطبيق «رؤية 2030» التي بدأت منذ أربع سنوات كانت وكأنها استعداد لأزمة مثل جائحة «كورونا»، وما رافقها من صدمة كبيرة جداً في أسواق الطاقة نتيجة لانخفاض الطلب، وبالتالي انخفاض الأسعار وانخفاض الإيرادات.
وأكد الجدعان أنه نتيجة لبرامج الرؤية التي بدأت؛ حققت المملكة نجاحات كبيرة جداً سواء من ناحية الضبط المالي ورفع كفاءة الإنفاق والاستثمار في البنية التحتية، إضافة إلى الصناعة والقطاعات الواعدة الجديدة التي وفرت مزيداً من الوظائف مكنت الاقتصاد السعودي من التعامل مع الصدمة مالياً بشكل كبير.
وجاء حديث الجدعان خلال أعمال جلسات ملتقى ميزانية 2021 الذي تنظمه وزارة المالية، بمشاركة عددٍ من الوزراء والمسؤولين، حيث شارك في الجلسة الأولى التي تحمل عنوان «توجهات الميزانية وأولويات الإنفاق لصحة الإنسان».
وكانت السعودية قد أعلنت يوم أول من أمس حجم إنفاق في ميزانية 2021 بلغ 990 مليار ريال (264 مليار دولار)، وقدرت الإيرادات عند 849 مليار ريال (226.4 مليار دولار)، بعجز يقدر بمبلغ 141 مليار ريال (37.6 مليار دولار)، والذي يمثل 4.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
عام استثنائي
وقال محمد الجدعان إن عام 2020 كان استثنائياً بكل المقاييس على مستوى العالم وليس فقط في السعودية، وأضاف «كانت الأولوية الأولى هي صحة المواطن وصحة المقيم، وأعدنا توجيه عدد من النفقات في الميزانية لعام 2020 إلى القطاع الصحي، ودعمنا الاقتصاد والوظائف للمواطنين من خلال مبادرة ساند، كما تم دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة»، مبيناً أن البنك المركزي السعودي تدخل بشكل كبير في القطاع المالي ووفر السيولة، حيث مكن البنوك من إعادة جدولة الديون، وتمكنت الحكومة من التفاعل بشكل سريع جداً مع الأزمة، واتخذت قرارات حاسمة في البداية.
وأضاف «شُكلت لجنة أزمة عليا برئاسة ولي العهد، واتخذت قرارات سريعة لاحتواء الأزمة في البداية وإعادة الأنشطة وفتحها». وأكد الوزير السعودي أن الحكومة تفاعلت بشكل سريع خلال جائحة «كورونا»، وركزت على القطاعات الأكثر تأثراً، إضافة إلى تركيزها على قطاع الصحة وتوفير كل ما يحتاجه القطاع، كما ركزت على حفظ الوظائف من خلال دعم القطاع الخاص.
وتناول تعديل التغطية التأمينية على موظفي القطاع الخاص للمحافظة على الوظائف، إذ تم إطلاق مجموعة كبيرة من التحفيز تمثلت بـ150 مبادرة للتخفيف عن القطاع الخاص والمنشآت الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على مكتسبات التنمية واستعداد القطاع الخاص للعودة إلى النشاط فور إنهاء فترة الإغلاق.
وأكد أن أثر تلك الخطوات ظهرت في الربع الثالث والربع الرابع وعاد النشاط الاقتصادي إلى درجة كبيرة، كما عادت نقاط البيع بحسب نشرات البنك المركزي السعودي إلى ما كانت عليه قبل الجائحة وأعلى، مؤكداً أن الحكومة تدعم القطاعات المتأثرة مثل السياحة والطيران، حتى انتهاء الجائحة.
الدروس المستفادة
أكد وزير المالية السعودي أن الدروس المستفادة تتمثل في كيفية التعامل وبناء البرامج وتعديل بعض الخطط للتعامل مع الصدمات الكبيرة على مستوى العالم، حيث اتخذت الحكومة قراراً بتوطين الصناعات وإحلال الصناعة المحلية كبديل عن المستورد، وجرى توقيع اتفاقية بين وزيري الصناعة والمالية، وتوجهات لدعم مصانع لتوسيع خطط إنتاجها بشكل كبير لمنتجات الحماية الشخصية للقطاع الصحي، إلى جانب السعي لتطوير ودعم البحوث واللقاحات والأدوية.
وبين أن الاستثمار في مجال التقنية خلال السنوات الماضية خاصة في الألياف البصرية وتقنية الإنترنت وزيادة سرعتها والبنية التحتية الرقمية كان لها دور فاعل في قدرة الحكومة على التحول من العمل الفعلي إلى العمل الافتراضي، حيث أصبحت السعودية من أكثر دول العالم تطوراً في تقنية الاتصالات بفضل الاستفادة من آثار الجائحة ما يؤكد أهمية الاستثمار في البنية التحتية الرقمية ليس فقط خلال الجوائح إنما لتطوير الاقتصاد.
وأفاد بأن عامي 2016 و2017 يعدان تحديا كبيرا جداً للمالية العامة، مبيناً أن المملكة عندما أطلقت «رؤية 2030» كان من أهم المبادرات من الجانب المالي «ضبط المالية العامة»، وجرى خلال الأربع سنوات الماضية تخفيض العجز في الميزانية من 17 في المائة إلى 12 في المائة وصولاً إلى 9 في المائة، مفيداً بأن السعودية ومع بداية جائحة «كورونا» صاحبها انخفاض في الإيرادات النفطية، مما دفع لزيادة الإنفاق والدين، مشيراً إلى أن إعلان ميزانية 2021 تم خلاله تعميق سوق الدين الوطني في البلاد خلال الثلاث السنوات الماضية بشكل كبير، مفيداً بأن هذا العام تم اللجوء إلى السوق المحلية بكفاءة.
وقال: «أعتقد أن أرقامنا في الدين تحت السيطرة ولا نزال في مستوى أقل من دول كثيرة، وخصوصاً الدول التي في مستوى التصنيف الائتماني للمملكة، ولكن لا ننوي أن نزيد الدين بشكل متسارع، ونلاحظ أنه في السنة القادمة يبدأ استقرار مستوى الدين، وسنبدأ خفضه في السنة التالية».
القوة المالية
وأشار إلى أن القوة المالية للسعودية لا تتعلق فقط بالدين أو مستوى العجز إنما بالاحتياطيات الحكومية، حيث إن هناك استثمارات كبيرة من خلال صندوق الاستثمارات العامة، وهي مهمة جداً للأجيال القادمة لامتصاص أي صدمات خارجية، مستشهداً بطلب توزيعات نقدية من صندوق الاستثمارات العامة وتوزيعات نقدية من احتياطيات في البنك المركزي لمواجهة مثل هذه الصدمات، مفيداً بأنه لا يوجد نيه لاستخدامها دائماً إنما فقط في حالات الصدمات مثل هذا العام.
وأوضح أنه تمت الاستفادة من أزمة «كورونا» من خلال العمل مع الجهات الحكومية لتحقيق مرونة في المصروفات، حيث تم تخفيف الكثير من نفقات السفر والتدريب الخارجي والانتدابات وغيرها، مشيراً إلى أن السنة القادمة ستحمل نتائج إيجابية، لافتاً إلى وجود دعم كبير جداً للاقتصاد سواء من خلال الإنفاق الحكومي أو من خلال صندوق التنمية الوطنية، وصندوق التنمية الوطني والصناديق التابعة له، حيث تم أخذ تعديل سريع جداً في نظام صندوق التنمية الوطني بمنح الحق في الاقتراض والإقراض بعوائد متدنية جداً لدعم القطاع الخاص.
صندوق الاستثمارات
ونوه وزير المالية بتصريح ولي العهد السعودي عن عزم صندوق الاستثمارات العامة ـ بوصفه الركيزة الأساسية في الاقتصاد السعودي ـ ضخ مزيد من الاستثمارات في الاقتصاد، متوقعاً أن تكون سنة 2021 بداية التعافي الاقتصادي وتوجيه الاقتصاد نحو النمو والتوسع.
وحول استمرار الإنفاق على المشاريع الكبرى وبرامج تحقيق الرؤية، أفاد بأنه تم وقف الصرف على بعض برامج تحقيق الرؤية، مثل جودة الحياة والفعاليات والرياضة، وتم توجيه الصرف إلى برامج أخرى مثل التحول الوطني ومشاريع المياه ومشاريع الصحة، فيما استمر الصرف على برامج أخرى، مبيناً أن المشاريع الكبرى استمر الصرف عليها وتوقفت خلال فترة الإقفال لشهرين أو ثلاثة أشهر حفاظاً على صحة العاملين.
وعن التخصيص، أكد أن سنة 2020 ورغم جائحة «كورونا» تم فيها إكمال عدد من المشاريع التخصيص في قطاعات الصحة والتعليم والصرف الصحي والمياه والتحلية باستثمارات من القطاع الخاص تجاوزت 15 مليار ريال (4 مليار دولار)، متوقعاً أن تزيد الاستثمارات خلال السنة القادمة إلى 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) ما يعني خفض الصرف من الميزانية العامة للدولة، نظراً إلى أن الاستثمارات ستزيد من القطاع الخاص وصناديق التنمية ومن صندوق الاستثمارات العامة.
وأبان وزير المالية أن الدين العام كاستراتيجية يراقب بشكل مستمر ولا يزال في نطاق آمن جدا، كما يتم مراقبة وضع الدين مع أهمية الابتعاد عن الاستدامة، حيث لا تزال المستويات أقل من 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى في سنوات 2021 و2022 و2023. كما تتم مراقبة مركز إدارة الدين العام وإصدارات القطاع العام.