نقص في العديد يصل إلى 1000 عنصر وهناك تسرب من الوظيفة ويقوم عنصر الجمارك يومياً بنصف دورية بدلاً من ثلاث دوريات
يرفض عناصر المداهمة العمل من دون ضمانة إستشفائية وانحدرت الدوريات على المدفون من 24/24 ساعة إلى ساعة كل يومين
يلجأ المهربون إلى التزوير في الوزن والصنف والكميات والمستندات الجمركية مثل شهادات المنشأ والفواتير التجارية وتغيير المواصفات
يتمّ إخراج 1000 «كونتينر» من المرفأ يستحيل أن تمرّ كلها عبر الـ«سكانر» ولا يتم مسح الضوء إلا لـ200 «كونتينر» يومياً فقط
لا تتوفر مادة المحروقات بشكل كافٍ فخمس صفائح بنزين شهرياً على سبيل المثال تكفي لـ5 دوريات فقط ويتمّ توفير البنزين لحالات الضرورة
الوضع حرج جداً في قسم تكنولوجيا المعلومات حيث لا يوجد سوى موظّف واحد ويتُرجم هذا الوضع بانخفاض حاد في قدرات الجباية
تهريب من سوريا وتركيا وإسرائيل: سجائر ومواد غذائية وأدوية وأسلحة ومخدرات بكميات كبيرة إلى لبنان والمافيات أقوى من الدولة
لا توجد أرقام دقيقة حول قيمة التهرب من تسديد الرسوم الجمركية الذي يتمّ عبر الحدود والمعابر. تقدير ذلك ممكن من خلال إجراء حسابات حول قيمة الإستهلاك في لبنان وحجم الواردات وحجم الإنتاج. وتقدرقيمتها بملياري دولار من دون الإستناد الى وثائق.
ويُعد التهرب الجمركي من الجرائم التي لها آثار سلبية على الاقتصاد اللبناني، إذ يُؤدي إلى فقدان الإيرادات الجمركية التي تغذّي خزينة الدولة، والإضرار بالصناعة المحلية. تفاقم ذلك خلال سنوات الأزمة، واستعرّ مؤخراً مع زيادة سعر صرف الدولار الجمركي من 1500 ليرة الى سعر «صيرفة» وهي 85500 ليرة للدولار، وبالتالي زيادة قيمة الرسوم. كما تأثرت الايرادات بسبب نقص عناصر التفتيش الجمركي وعدم توافر المحفّزات المالية بعد انهيار راتب الموظفين خلال الأزمة المالية، وبات راتب الموظف بقيمة 100 دولار نقداً كما أوضح مصدر «جمركي» لـ»نداء الوطن»، من دون توفّر التغطية الصحّية والإستشفائية، وبالتالي كيف يمكن الزامه بأداء مهامه والمخاطرة بصحّته في المداهمات مع غياب إمكانية تطبيبه في حال اصيب خلال أدائه عمله؟
ويبلغ عدد العناصر العاملة في الجمارك من مدني وعسكري نحو 1950 عنصراً فيما العدد المطلوب نحو 2900 أو 3000 عنصر. وبما أن نحو 200 شخص لم يلتحقوا بعملهم كان يجب ضمهم خلال العام 2020، و نحو 5% من عدد عناصر الجمارك ترك عمله، تكون إدارة الجمارك خسرت نحو 300 عنصر ما يشكّل نسبة 15% من العديد.
فالمناداة باتخاذ قرار للحدّ من التهريب على المعابر الشرعية وغير الشرعية يتطلّب ليس قراراً سياسياً فحسب، بل تدابير توفّر الإمكانيات المادية والعديد، لذلك فإن أداء الرقابة ليس بأفضل حال بالنسبة الى إدارة الجمارك اليوم.
تقرير صندوق النقد
هذا الواقع تطرق اليه صندوق النقد الدولي في تقرير أصدره في 5 كانون الأول الجاري عن لبنان تحت عنوان: «لبنان: تقرير المساعدة الفنية – إدارة الضرائب والجمارك: حاجة ملحة للتدخل».
وسلّط التقرير الضوء أولاً على «الحالة المزرية لإدارات الضرائب والجمارك في لبنان، لا سيّما على صعيد الكادر البشري، والذي يعاني من تجميد التوظيف ومن استقالة الموظفين الحاليين والذين انخفضت قيمة رواتبهم بشكل كبير على خلفيّة التدهور الكبير في سعر صرف العملة المحليّة». وعلى صعيد الموارد البشريّة، علّق التقرير بأن «الوضع أكثر حرجاً في قسم تكنولوجيا المعلومات، حيث لا يوجد سوى موظّف واحد في مديريّة تكنولوجيا المعلومات في إدارة الجمارك اللبنانيّة ولا يوجد أي موظّف في المديريات الأخرى للضرائب. وقد تُرجم هذا الوضع بانخفاض حاد في قدرات جباية الضرائب، مع تدهور نسبة الإيرادات الضريبيّة من الناتج المحلي الإجمالي من 21% في العام 2018 إلى 6.3% في العام 2022».
إعتبر صندوق النقد الدولي أن الحاجة ملحّة الى الإصلاح في إدارة الجمارك. وفي السياق أشار الى أن «العديد من المانحين الدوليين كالبنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق النقد الدولي أعربت جميعها عن استعدادها للدعم المالي شرط توافر إرادة لإحداث التغيير. واستعمل صندوق النقد منهجيّة لتسليط الضوء على أولويات الإصلاح، تأخذ بعين الاعتبار النتائج التي سيحدثها هذا الإصلاح والتعقيد الفنّي المطلوب لتنفيذه. بناءً على ذلك، قام بتقسيم الإصلاحات إلى ثلاث فئات على النحو التالي:
– المكاسب السريعة: مبادرات سهلة نسبيّاً من شأنها أن تساعد في بناء الزخم.
– المبادرات الأساسية: المبادرات الأوليّة التي تشكل الجزء الأكبر من برنامج الإصلاح.
– أولويات أخرى: مبادرات إضافية يجب دراستها بعناية قبل تنفيذها.
ورأى التقرير أنه من الملحّ اليوم السعي للتدخل العاجل لضمان استمرارية المهام الحيوية للمهمة (استقرار عمليات تكنولوجيا المعلومات)، وأجور للموظفين.
كما شدّد على ضرورة القيام سريعاً بالخطوات الإصلاحية التالية:
– إعادة البنية التحتية الأساسية إلى المستوى الذي كان عليه قبل انفجار مرفأ بيروت لتمكين النشاط الجمركي (قيد العمل).
– تعزيز برامج التدقيق ما بعد التخليص (PCA) post-clearance audit للشركات التجارية الكبيرة.
– تطوير نظام تحليل المخاطر Risk Analysis لإجراء تقييم أولي له عند وصول البضائع واختيار الضوابط والحاويات التي سيتم فحصها على أساس السلامة والأمن.
بالنسبة الى المرحلة المقبلة التي تتراوح بين 6 و 12 شهراً يجدر التالي:
– مراجعة مسودة الخطة الإستراتيجية من «قائمة الرغبات» إلى الإستراتيجية، مع مراعاة أولويات الإصلاح.
– تنفيذ وحدة إدارة المخاطر، والإطار، والإجراءات التي تفرض استخدام نموذج «قانون التفتيش» الخاص بنظام أسيكودا.
– تنفيذ وحدة التحكم في التقييم الخاصة بـ ASYCUDA، والبحث عن الخبرة الدولية المطلوبة للدعم.
أساليب التهرب الجمركي
يتم تهريب البضائع التي تدخل إلى لبنان عبر المعابر بطرق عدة، منها:
التهريب عبر المعابر الحدودية غير الشرعية: هناك العديد من المعابر الحدودية غير الشرعية في لبنان، ويستخدمها المهربون لتهريب البضائع. وعادة ما تكون هذه المعابر نائية ووعرة، مما يصعب على السلطات اللبنانية مراقبتها.
التهريب عبر المعابر الحدودية الرسمية: يتم تهريب البضائع أيضاً عبر المعابر الحدودية الرسمية، ولكن باستخدام أساليب احتيالية. ومن الأمثلة على ذلك:
– التزوير في الوزن أو الصنف أو الكميات أو قيمة المنتوجات.
يقوم المهربون بتزوير المستندات الجمركية، مثل شهادات المنشأ والفواتير التجارية، حتى تبدو البضائع أقل قيمة مما هي عليه في الواقع، وبالتالي يتمّ دفع رسوم جمركية أقلّ، كالإعلان عن بضائع بقيمة 200 دولار فيما قيمتها الحقيقية هي ألف دولار على سبيل المثال.
وكذلك الأمر بالنسبة الى الوزن، فيتمّ التصريح أن الوزن أقلّ مما هو فعلياً.
كما يمكن التهرب من خلال تغيير مواصفات للبضائع في التصاريح المقدمة من المستورد التي تعبر.
– التهرب من التفتيش: يقوم المهربون بإخفاء البضائع المهربة في أماكن يصعب الوصول إليها، مثل الإطارات أو تجاويف السيارات والشاحنات.
وإستناداً الى المصدر «الجمركي»، إن التفتيش في الجمارك لا يتمّ على كامل البضائع الموجودة في «الكونتينر»، بل يتم اخذ عيّنات من 5 أو 10 كراتين الأمر الذي لا يكشف المخالفة الحاصلة للتهرب من الرسوم الجمركية.
-الرشوة: يقوم المهربون برشوة عناصر الجمارك حتى لا يقوموا بتفتيش البضائع المهربة.
أنواع البضائع المهرّبة
أما أنواع البضائع التي يتمّ تهريبها عبر المعابر الحدودية في لبنان، فهي عدّة وتتفاوت حسب المعبر، ومن الأمثلة على المنتوجات التي يتم تهريبها:
– السجائر: يتم تهريب السجائر بكميات كبيرة إلى لبنان من سوريا، لأن الأسعار هناك أقل بكثير.
– المواد الغذائية: يتم تهريب مواد غذائية من سوريا وتركيا وإسرائيل، لأن أسعارها أقل بكثير من أسعارها في لبنان.
– الأدوية: يتم تهريب أدوية من سوريا وتركيا وإسرائيل، لأن أسعارها أقلّ من تلك المتواجدة في السوق اللبنانية.
– الأسلحة والمخدرات: يتم تهريب الأسلحة والمخدرات عبر المعابر الحدودية غير الشرعية، حيث يصعب على السلطات اللبنانية مراقبتها.
آليات الرقابة عبر المعابر
في ظلّ هذا الواقع، ألا يمكن تفعيل الرقابة من خلال آلة الـ»سكانر» أي الماسح الضوئي، وكشف التهريب النوعي أو الكميّ؟ حول ذلك يوضح المصدر الجمركي نفسه، أنه توجد آلة «سكانر» في معبري الجمارك في مرفأ بيروت وفي المصنع، ولكن لا يمكن إخضاع كل البضائع التي تدخل الى لبنان الى الرقابة عبر الـ»سكانر».
فعلى سبيل المثال، اذا كان يتمّ إخراج 1000 «كونتينر» من المرفأ، من المستحيل أن تمرّ كلها عبر الـ»سكانر» لأن تلك العملية ستأخذ أياماً عدة، يمكن أن يتم مسح الضوء لـ200 «كونتينر» يومياً فقط باعتبار أن تمرير «كونتينر» واحد عبر تلك الآلة يحتاج الى دقيقتين.
لذلك يحدّد نظام إدارة مخاطر الشحنات التي يجب ان تخضع لـ»السكانر» وتلك التي يمكن أن تمرّ من دون «سكانر». وهذا التدبير يجعل من إمكانيات التهريب الجمركي تحصل يومياً وروتينياً.
نقص في العديد والعتاد
وعدا الرقابة التي يقوم بها عناصر إدارة الجمارك عبر المعابر، يوضح المصدر «يقوم المفتشون بدوريات على الطرقات، وفي الشركات للتأكّد من نوعية وفئة منتجاتها وما اذا تمّت جمركتها، ولكن ذلك النوع من التفتيش لا يمكن تفعيله أو إنجازه بالتمام والكمال كما يجب، وذلك بسبب وجود نقص كبير بالعديد والعتاد. كما يقوم عناصر الجمارك بدوريات وحواجز على الطرقات ونصادر منتوجات مهربة ونتأكّد من الأوراق والمستندات وما اذا كان تمّت جمركتها، يتمّ التأكد مما اذا كانت نظامية وأحياناً نتلقّى إخبارات بوجود منتوجات مهربة فنرسل عناصر البحث والتهريب، وأحياناً تصيب الإخبارات وأحياناً لا تصيب».
وكان للأزمة المالية تأثير كبير على أداء إدارة الجمارك اللبنانية اذ كانوا يقومون بدوريات لفترة 18 ساعة، بعد الأزمة تراجع الأداء الى دوريات لفترة 3 ساعات يومياً فقط، فباتت عمليات اكتشاف التهريب أقلّ.
حتى أن هناك أماكن، لم يعد من الممكن مراقبتها بعد اليوم بسبب الأزمة، فالدوريات، إستناداً الى المصدر الجمركي، «التي كان يقوم بها عناصر إدارة الجمارك 24/24 على المدفون، انحدرت بعد الأزمة الى فترة ساعة كل يومين. ما أوجد ثغرة بات من الصعب تغطيتها، ويتم ّ استغلال تلك الثغرة من المهرّبين ولكن لا يمكن تثبيت ذلك، باعتبار أن التهريب يقدّر ولا يثبّت».
ولا عجب في أن يواجه بعض مفتشي الجمارك تعدّيات عليهم اذا ما حاولوا ضبط أصغر عمليات التهريب التي تحصل في أماكن تسمى خطرة مثل سوق الخضار. فضبط عملية تهريب 10 صناديق فواكه في السوق على سبيل المثال تعرّض المفتّش الى تعدي بالأسلحة البيضاء. لذلك تتفادى إدارة الجمارك إقتحام مثل تلك الأماكن، وتستبدلها بالحواجز على الطرقات قبل سوق الخضار على سبيل المثال.
زاد التهرب
ربحية التهريب باتت اكبر وزاد التهريب بعد ارتفاع سعر صرف الدولار الجمركي اذ عندما كان بقيمة 1500 ليرة لبنانية كانت تتراوح العائدات بين 10 أو 15 مليون ليرة على البيان الجمركي. اليوم وبعد اعتماد سعر «صيرفة» وهو 85500 ليرة لبنانية، أصبحت العائدات بين 500 مليون ليرة ومليار ليرة ما يفاقم عمليات التهريب. وما زاد من إمكانيات التهريب ايضاً، تراجع أداء المراقبة.
الغرامة زهيدة
أما الغرامة ففصّلها قانون الجمارك من المادة 421 الى المادة 432 وهي عدا عن مصادرة البضائع تكون إما مقطوعة أو نسبة الى قيمة الرسوم. فإذا كانت قيمة الرسوم 100 ألف ليرة تكون الغرامة 100 ألف ليرة، واذا كانت الرسوم بقيمة مليار ليرة تكون الغرامة مليار ليرة.
تقارير إصلاحية
أرسلت مديرية الجمارك تقارير إصلاحية عدة الى المراجع المختصة، لتدعيم الإدارة وتفعيل أداء إدارة الجمارك، من خلال تعزيز العناصر البشرية والمعدات والعديد. والمعوّقات التي تحول دون تفعيل عمل الجمارك حالياً ودون القيام بالدور المنوط به بشكل كامل كأن تكون الدوريات يومياً ومن دون توقّف، هو التالي:
– عدم توفّر مادة المحروقات الكافية وتحديداً البنزين للقيام بدوريات. فخمس صفائح بنزين شهرياً على سبيل المثال تكفي لـ5 مشاوير أو دوريات فقط، لذلك يتمّ توفير البنزين لاستخدامها في حالة الضرورة. على الدولة توفير جزء آخر مثل المحروقات والتي تبلغ كلفتها نحو 200 ألف دولار سنوياً على سبيل المثال، وبذلك لا يكفي تبرّع احدهم بـ5000 ليتر على سبيل المثال والذي يكفي لشهر واحد فقط.
– النقص في عديد العناصر، وبالتالي لا يمكن القيام بثلاث دوريات يومياً بل يقوم العنصر بنصف دورية.
– يجب أن يكون هناك نظام إدارة مخاطر والبحث عن التهريب والتدقيق.
– يجب أن تقوم المراكز بتشكيلات دورية أي تبديل للموظفين. اذ لا يجوز لموظف ان يبقى فترة طويلة في مركزه لا يمكنه أن يقدّم الكثير لأنهم باتوا يدركون نقاط ضعفه. وهذا الأمر معمول به في الجمارك في كل دول العالم لا سيما الأوروبية منها.
– ضرورة تفعيل عمل الموظف من خلال حمايته، فلا يمكنه أن يخضع للتهديد المستمرّ. يجب تدريبه وتحفيزه أيضا مادياً اذ من يتقاضى راتباً بقيمة 100 دولار وطبابته غير مؤمنة لا يمكن الزامه بمهام قد تعرّضه للخطر.
– النقص في عديد عناصر الجمارك وبالتالي لا يمكن القيام بـ3 دوريات يومياً إنما يقوم العنصر بنصف دورية.
بمؤازرة الجيش
صحيح أنه من المهم تحصيل الدولة للايرادات وتعزيز وضع خزينتها وبالتالي تقليص العجز وفرض ضرائب على المواطنين، ولكن الأهمّ من كل ذلك يبقى توفير الحماية للمجتمع من الأضرار التي يتسبّبها المهرّبون والتي تتعلّق بالبضاعة الممنوعة أو الأدوية المقلدة والأسلحة والمخدرات والتي تسيء الى المجتمع ككلّ وليس الى واردات خزينة الدولة. وفي هذا السياق تقوم الجمارك بعمليات ضبط لتهريب مخدّرات وادوية مزوّرة أو مقلّدة… لا يتمّ الإعلان عنها دورياً، عبر وسائل الإعلام بسبب عدم انتهاء تجهيز المكتب الإعلامي في إدارة الجمارك. ومن تلك العمليات ضبط كمية من الكوكايين منذ نحو 3 أسابيع، أجرتها إدارة الجمارك بمؤازرة الجيش بسبب عدم توفّر العديد.
خاطر: البُنية التحتيَّة المؤسسيَّة والإداريَّة تتحلّل في لبنان
يعتبر البروفسور مارون خاطر وهو كاتب وباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة خلال حديثه الى «نداء الوطن»، أنّ «البُنية التحتيَّة المؤسسيَّة والإداريَّة في لبنان تُعاني من التَحَلُّل المُفضي إلى المَوت في الوَقت الذي يُشَكل التَخَبط العُنوان الأبرَز الذي يَطبع إدارة الدولة ومؤسساتها. إنطلاقاً مما تقدَّم، يَبدو من المُستحيل أن تَطال الإصلاحات الهَيكليَّة إحدى حلقات السلسلة الإدارية المترابطة تنفيذياً وزمنياً. يُشَكّل الترابط الإداري والتنفيذي بين مؤسسات الدولة من جهة وانهيار القطاع المصرفي وعدم ضبط الحدود من جهة أخرى، عوائق حقيقية أمام تنفيذ إصلاحات «موضعيَّة ومستقلّة» في واحدة من الإدارات كالجمارك مثلاً».
ويُضيف: «تُعاني إدارة الجمارك من نَقصٍ حادّ على مُستوى الكَوادِر البشريَّة والتقنيَّة والتكنولوجية واللوجستيَّة والإداريَّة. إلا أنَّ معالجة هذه المُشكلات بطريقة موضعيَّة وبِمَعزل عن مُعالجات أسباب أزمَة لبنان يُبقيها غَيرَ ناجِعَة. إن عَدَم تَحصيل الضَّرائب الجمركيَّة هو نتيجةٌ لِغياب الاستقرار السياسي الذي أضعَفَ الدَّولة ومؤسساتها وقَوَّضَ العَدالة والمحاسبة ومَنَعَ ضَبط الحُدود وجَعَلَ اللبنانيين فئات غيرَ متساوية أمام الدولة فاستشرى الفَسَاد والمحسوبيَّات وَوَصَلَ إلى مؤسسات الدَّولة. إنعكس ذلك مزيداً من التَهَرُّب والتَّهريب والاستقواء التي عززَها غِياب السياسات الماليَّة للحكومة».
وقال: أدَّت القرارات العشوائيَّة الصادرة عن الحكومة والتي رَفَعَت بِموجِبها الدُّولار الجُمركي، دون أي دراسة، الى سهولة تفاقم الوضع وإحاطة موضوع الجمارك بمزيد من الضبابيَّة. في الشكل، تبدو هذه القرارات العبثيَّة وكأنها حسَّنت الإيرادات أما في الحقيقة فهي لم تُثمر حتّى اليوم بأيّ تغيير ايجابيّ يصبّ في المصلحة الاقتصادية والماليَّة للبنان. فَمَع كلّ ارتفاع للدولار الجمركيّ في ظل الانهيار تزداد نسبة التَهَرُّب الجُمركي وَيَزدهر التَّهريب، ومَعَهُ تَتَهاوى القُدرة الشرائيَّة لِلمواطن الصَّالح».
وخلُص الى أنه «لا يُمكن مقاربة مَوضوع إعادة إصلاح الجمارك بِطَريقة مُنفصلة عن مُسبِّبات الازمة وتَدَاعياتِها، كما أنَّه لا يُمكن مقاربة موضوع زيادة إيرادات الدولة بالنَّظر الى ما يُمكن أن تقدِّمه إحدى إداراتها. فالحَلّ يَجِب أن يَبدأ من السّياسة ليَنتقِل الى وَضع تصوّر للنهوض قد لا تكون مرتكزاته ضرائبيَّة ولا جمركيِّة. في أي حال يَستَحيل إصلاح الجَمارك خارج إطار خُطَّة شاملة. حتى ذلك الوقت، نَسلُكُ الطَّريق الضَّيقة المُحزنة… طَريق الاستنسابيَّة والتمييز بين مواطنين من الفئة «أ» وآخرين من دون تَصنيف!».