1.1 مليار متر مربع من الممتلكات العقارية العامة، غير المُستخدمة أو «المُستخدمة بنحو غير فعّال»، تُريد المصارف «الاستيلاء» عليها لتُعوّض خسائرها. الطلب ليس جديداً، إلا أنّ أصحاب المصارف قرّروا هذه المرّة دقّ الأبواب الفرنسية ليحتموا بها في المرحلة المقبلة، على أساس أنّ الحكومة الجديدة «فرنسية»
على قاعدة أنّ فرنسا هي «حاملة العصا» فوق رؤوس المسؤولين اللبنانيين، ولاعبة دور الوصي على هذا الكيان، زار وفد من جمعية مصارف لبنان العاصمة الفرنسية باريس بين 9 و11 أيلول الجاري. الوفد المؤلّف من سليم صفير ووليد روفايل ونديم قصّار وأمين عواد وروجيه داغر ومكرم صادر، عقد لقاءات مع كلّ من السفير المُكلّف بمتابعة تنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان، ممثلين عن الخزانة الفرنسية، رئيسَي مجموعة الصداقة الفرنسية – اللبنانية في مجلسي النواب والشيوخ، ومساعد مدير مكتب وزير الخارجية. «زبدة» الزيارة هي تسويق المصرفيين «حقّهم» في الاستحواذ على أصول الدولة وممتلكاتها، ووضعها في صندوق. واقتراحهم الحصول على 1.1 مليار متر مربع من الممتلكات العقارية العامة «غير المُستخدمة من قبل الدولة، ولا تُعتبر استراتيجية». لَقِي وفد جمعية المصارف «طبطبة» له من قِبل الجانب الفرنسي. في وزارة الخزانة جاء الجواب أنّ «الصندوق فكرة جيّدة، استُخدمت سابقاً في إعادة إعمار بيروت، حين كان رفيق الحريري رئيساً للوزراء»، وقد فاتهم أنّ هذه «الفكرة الجيّدة» كانت فاتحة أزمة لبنان التي انفجرت عام 2019، بعد سنوات من تثبيت نموذج اقتصادي مُختصره أنّ ثروة الناس تركّزت بيد فئة صغيرة جدّاً، فأتى نمّو أرباحها غير المستحقة على حساب البنى التحتية والخدمات العامة ومستوى معيشة المواطنين.
في الاجتماعات الأربعة التي عقدها وفد «الجمعية»، لم يُقدّم الحاضرون جديداً سوى تكرار أكذوبة أنّ المصارف أسهمت في تطوير الاقتصاد اللبناني، وبأنّ الدولة هي التي تعثّرت في تسديد سندات الدين بالعملة الأجنبية (يوروبوندز) في آذار الماضي، وأنّ المشكلة سببها احتجاز أموال في مصرف لبنان، وأنّ اعتماد «الإنقاذ الداخلي – Bail in» (تحويل جزء من الودائع إلى أسهم في المصرف) قد «يؤدّي إلى نتائج عكسية، بسبب تعيين مديرين جدد للمصارف، مع تعيينات سياسية، نعرف مخاطرها»، كما قال أمين سرّ الجمعية، وليد روفايل.
يوم 10 أيلول، عُقد أول اجتماعات جمعية المصارف، مع السفير بيار دوكان. قدّم الوفد اللبناني خلال الاجتماع «صكّ البراءة» لدوكان، بأنّ المصارف تُحارب تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، قبل أن يطرحوا مباشرةً رؤيتهم: «إنشاء صندوق للأصول قد يُساعد في الحلّ»، مُختبئين خلف وزير المال غازي وزني «الذي كان قد طرح وضع 1.1 مليار متر مربع من أملاك الدولة غير المُستخدمة». من جهته، قال دوكان إنّه يجب اتخاذ خطوات سريعة في أمور لها علاقة بالقطاع المصرفي: «وضع قانون لفرض ضوابط على حركة رأس المال، سعر صرف موحّد، برنامج مع صندوق النقد الدولي، تدقيق في حسابات مصرف لبنان يجب أن يبدأ سريعاً وإلا لبنان سيختفي، دمج المصارف لأنّ وجود 64 مصرفاً هو عدد كبير لبلد بحجم لبنان».
بعد ذلك، التقى الوفد مع الخزانة الفرنسية، قدّم سليم صفير في اللقاء عرضاً لـ«مساهمات» القطاع في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب، من دون أن يتضمن العرض إجراءات المصارف غير القانونية بحقّ أموال المودعين المُستمرة حتى اليوم، وكيف بدّدتها كلاعب قمار لا يعرف حدوداً لإدمانه. ردّ نائب مدير الخزينة، برتراند دومون بوجوب الشروع في إصلاحات تسبق برنامجاً مع صندوق النقد الدولي، «تحديداً في قطاعات تعزيز القدرة التنافسية، الكهرباء، الجمارك، النقل…، وإعادة هيكلة ديون القطاع العام، وهيكلة القطاع المصرفي». وشدّد المسؤول الفرنسي على «توحيد أرقام الخسائر لمتابعة النقاشات»، لافتاً إلى أنّ جمعية المصارف «لاعب أساسي لانتعاش البلد». واتفق كلّ من نديم قصّار ووليد روفايل على أنّه «يُمكن للمصارف تحمّل تكلفة تعرّضها للديون الحكومية فقط وليس لديون المصرف المركزي»، مُطالبَين بتوزيع عادل للأعباء، وإنشاء صندوق لوضع أملاك الدولة غير المُستخدمة أو غير المُستخدمة بشكل فعّال. وقد ذكرا أنّ «المصارف تُقرض كثيراً القطاعات المُنتجة (110% من الناتج المحلي الإجمالي). المشكلة الرئيسية هي في أنّ الودائع مُجمدة في مصرف لبنان». قصّار وروفايل ينزعجان من «تشويه صورة المصارف»، فيما «الحكومة اللبنانية هي التي قرّرت التخلّف عن سداد الديون الخارجية في 9 آذار. وبرنامجها في 30 آذار كان يطرح شطب الديون، وكنّا سنفقد ثقة الاغتراب الذي لا يعود للاستثمار في لبنان». وأضافا أنّه لم تنخرط كلّ المصارف في الهندسات المالية، «الزبون استفاد عبر أسعار الفائدة المرتفعة، والمصارف وظّفت الهامش المُخصص لها في رأسمالها، قبل أن تتأثّر اليوم سلباً بتخلّف الحكومة عن سداد ديونها».
الاجتماع الأخير عقده وفد جمعية المصارف مع مساعد مدير مكتب وزير الخارجية الفرنسية، إيمانويل بويزيه – جوفين. بدأ سليم صفير الحديث بـ«وشاية» حكومة حسّان دياب التي قرّرت عدم سداد ديون 9 آذار «رغم أنّ المصرف المركزي كان يملك 32 مليار دولار، و15 مليار دولار من الذهب، واستثمارات خارجية ما بين 3 و5 مليارات دولار… ووضعت الحكومة خطّة من دون استشارتنا أو استشارة مصرف لبنان». وبعد الإشادة بفرنسا «التي يعتبرها لبنانيون كثرٌ وطناً ثانياً لهم»، أعلن وليد روفايل أنّ المصارف «لا تُمانع في المزيد من التدقيق في حساباتها، لأنّه من دون الشفافية لا تستطيع المصارف أن تستمر»، مُضيفاً أنّ الحاجة هي لخطة تُشبه الخطة التي قدمتها المصارف في 20 أيار… والإصلاحات في القطاع العام. ردّ مساعد مدير مكتب وزير الخارجية بتكرار ما قاله المسؤولون الفرنسيون الآخرون، مُضيفاً أنّ «إعادة هيكلة الديون يجب أن تشمل الديون بالعملة المحلية والأجنبية. لا يوجد شيطنة للقطاع المصرفي، ولكن يجب أن يكون فعّالاً، ومُساهمة المصارف في حلّ الأزمة يجب أن تكون جزءاً من إجراءات مقبولة سياسياً واجتماعياً».
وفي تعليقهما على تعميم مصرف لبنان الرقم 154، اعتبر نديم قصّار ووليد روفايل أنّ زيادة رساميل المصارف لو تمّت «يجب أن لا تواجه خطر إزالتها في أي برنامج حكومي. أما عن «حثّ» المودعين الذين هرّبوا أموالهم على إعادة 15% منها، «فقد طرحنا أسئلة حول قانونية هذا الطلب»، في حين أنّ مكرم صادر قال إنّ «المبالغ المُنتظر استعادتها من خلال هذه الإجراءات، ستكون أدنى بكثير من المتوقع».