لم يحمل معه وفد صندوق النقد الدولي الذي يزور لبنان راهناً أي جديد، وهو على يقين انّ لبنان لم يتقدّم خطوة نحو الإصلاح المالي. فلماذا تتجدّد زيارات الوفد الى بيروت، طالما انّ الاتفاق مع الدولة غير وارد؟
مع عودة وفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان، عاد الحديث عن مصير الودائع والخطة المالية الاصلاحية وإعادة الودائع والثقة بالنظام المالي ومسار التفاوض بين لبنان والصندوق… صحيحٌ أن لا تقدّم حصل على صعيد الاصلاح المالي منذ زيارة الوفد الاخيرة للبنان في ايلول الماضي، انما تأتي هذه المرّة على وقع حرب دائرة في الجنوب مستمرة منذ 8 اشهر، انعكست تداعياتها المزيد من الخسائر والتراجع في الوضعين الاقتصادي والمالي. وعليه، ما الجديد الذي يمكن للصندوق ان يقدّمه للبنان؟ وهل السير باتفاق مع الصندوق في هذه الأوضاع يصبّ لمصلحة لبنان؟
في السياق، اكّد رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الخبير السابق في صندوق النقد الدولي منير راشد لـ«الجمهورية»، انّ وفد صندوق النقد الدولي الذي يزور لبنان راهناً لم يحمل معه جديداً، لا بل هو لا يزال يصرّ على موقفه الذي يقضي بشطب الودائع وفق التالي: إعادة هيكلة المصارف من خلال خفض التزاماتها وتقليص أصولها من خلال شطب الودائع وتحويلها لاصول bail in او تحويل الودائع إلى ليرة lirafication انما وفق سعر صرف اقل من السعر المعتمد في السوق. ولفت الى أنّ هذا هو الحل الرسمي الوحيد الذي روّج له الصندوق طوال العام المنصرم، ولم يغيّر او يعدّل فيه شيئاً.
وعلّل راشد ذلك لأنّ صندوق النقد ينظر الى لبنان على انّه في حالة إفلاس، ويعتبر انّ ودائع المصارف في مصرف لبنان هي خسارة ولا يمكن للدولة ان تدفعها، وإذا اعتبرنا انّ هذه الودائع هي فعلاً خسارة، فهذا يعني انّ الدين اللبناني الذي يساوي 32 مليار يورو وحوالى 70 ملياراً قيمة ودائع المصارف في مصرف لبنان، اي بما يساوي 100 مليار دولار مجموع دين الدولة، فهذا يوازي ما نسبته 500% من دخل الناتج المحلي.
وأكّد راشد انّ المديرين التنفيذيين في صندوق النقد الدولي يرفضون إقراض اي بلد يرتفع دينه نسبة الى الناتج المحلي الى هذا الحدّ، وذلك لأسباب عدة ابرزها انّ من مهمّة الصندوق المحافظة على حصص بقية الدول، لأنّ متى أقرضوا لبنان 3 مليارات، فإنّ هذا المبلغ سيُسحب من حصص بقية الدول، وبرأيهم انّّه سيصعب على لبنان ان يرد هذا المبلغ الى الصندوق من دون قيامه بشطب الودائع.
تابع راشد: «انّ الحل الذي يطرحه صندوق النقد ويصرّ عليه منذ العام الماضي لا يزال يلقى رفضاً في الداخل اللبناني، وقد سبق لمجلس شورى الدولة ان رفضه ايضاً بقبوله مذكرة ربط النزاع مع الدولة التي سبق وتقدّم بها بعض المصارف، مؤكّدا انّ الودائع لا تُشطب».
إعادة الودائع… مهما طال الوقت؟
وفي السياق نفسه، جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتراضه على أي اتفاق مع صندوق النقد لا يأخذ «مصلحة المودعين في الاعتبار»، مشدّداً على انّ «المدخل لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي وبالنظام المالي العام في لبنان يكون بضمان إعادة الودائع كاملة لأصحابها مهما تطلّب ذلك من وقت».
وفي هذا الاطار، علّق راشد على مقولة «مهما تطلّب ذلك من وقت» وقال: «هذا ما نخشاه. إذ لا يمكن إعادة الوديعة بعد 100 عام، بل يجب العمل على إعادتها، وللأسف نحن حتى اليوم لم نبدأ السير بالاتجاه الصحيح لإعادة الودائع، فصندوق النقد منذ نحو العامين لم يكن يعتبر انّ ودائع المصارف في مصرف لبنان هي جزء من دين الدولة، إذ انّ دين الدولة كان يبلغ 32 مليار دولار و 95 تريليون ليرة التي اصبحت تساوي مع انهيار سعر الصرف ملياراً و 100 مليون دولار، وعليه كان يساوي دين الدولة بنظره 33 مليار دولار ومع وضع الخطة اعتبره 100 مليار، وقد احتسب معه دين مصرف لبنان، وهذا ما نختلف عليه مع الصندوق، لأننا لا نعتبر انّ دين مصرف لبنان هو دين على الدولة، انما خسارة مصرف لبنان هي دين على الدولة».
انطلاقاً من ذلك، أكّد راشد انّ الحل الوحيد لهذه المعضلة يكمن في إعادة جدولة ديون الدولة، وإعادة جدولة ديون مصرف لبنان وتحسين الوضع المالي، على ان تتمكن البلاد من بعدها من تسديد خدمة الدين. وشّدد على انّ الأهم ان نتوصل لمرحلة نتمكن معها من دفع خدمة دين الدولة ودين مصرف لبنان، وليس شطب الودائع. وقال: «ان شطب الودائع ليس حلاً كما إعادة الودائع كاملة، إذ ولا قطاع مصرفي في العالم يمكنه اعادة الودائع كاملة».
لا نية لإقراض لبنان
انطلاقاً من ذلك، يؤكّد راشد اننا لن نتمكن من التوصل الى حل جذري مع صندوق النقد، داعياً الصندوق الى الاعلان بوضوح أن لا إمكانية لدى لبنان أن يقترض من الصندوق 3 مليارات دولار، وعليه لا جدوى من زيارة الوفد لبنان دورياً طالما لا جديد سُيقدّم لا من طرفهم ولا من طرفنا. وأكّد ان لا نيّة لمكتب المديرين التنفيذيين في الصندوق لإقراض لبنان لأننا غير مؤهلين من الناحية التقنية لتسديده.
ورداً على سؤال قال راشد: «انّ الحل الوحيد الذي يطرحه الصندوق شطب الودائع لتسديد القرض، وهذا الحل غير قابل للتنفيذ، حتى انّ بقاء الودائع ولو نظرياً في المصارف لسنوات افضل بمئة مرّة من شطبها. إذ انّ شطب ودائع المصارف من مصرف لبنان يعني شطب 70 مليار دولار من ودائع المودعين. ومتى تمّ اللجوء الى هذا الحل مَن مِن المودعين (لبنانيين او اجانب) سيستعيد ثقته يوماً بالمصارف اللبنانية».
وأكّد راشد، أن ليس صحيحاً ان لا حلّ امام لبنان سوى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. فبالاقتصاد لا يوجد حل واحد انما حلول. والبدء بالإصلاح الفعلي كفيل بإعادة الثقة، على عكس شطب الودائع الذي سيخيف المستثمرين من المجيء الى لبنان لسنوات، حتى لو كنا أبرمنا اتفاقاً مع صندوق النقد.