ليس غريباً أن يرفض صندوق النقد الدولي موازنة 2023 التي أقرّتها الحكومة على عجل، وألحقتها بموازنة 2024 أيضاً على عجل، لأن التمعّن في بنود الموازنة يجزم بمدى وقاحة معدّها الذي تعمّد الإمعان بقهر الطبقات الفقيرة من خلال مادة فضفاضة تحمل في طياتها صلاحيات واسعة لوزير المالية تحت عنوان “التشريع على سبيل الإحتياط”.
ففي مشروع موازنة العام 2023 تنصّ المادة الثالثة والأربعين، على مضاعفة الرسوم على اختلاف أنواعها بنسبة 30 مرة باستثناء الرسوم التي تمّ إقرارها أو تعديلها بموجب هذا القانون والتعرفات الجمركية، والرسوم التي تمّ تعديل استيفائها من الليرة اللبنانية إلى العملة الأجنبية، تضاعفت بنسبة 30 مرة الرسوم المحدّدة بمبلغ مقطوع على اختلاف أنواعها، كما كانت قيمتها بتاريخ سابق لـ 1/8/2019. أمّا الرسوم التي رُفعت قيمتها اعتباراً من هذا التاريخ لتعادل 30 ضعفاً عما كانت عليه قبل 1/8/2019.
وتنصّ المادة في نهايتها على أن تحدّد دقائق تطبيق هذه المادة، عند الإقتضاء، بموجب قرار يصدر عن وزير المالية.
هذا “التشريع على سبيل الإحتياط”، هو بحدّ ذاته تشريعاً ملتبساً، فهو يعطي انطباعاً عن عدم إلمام الحكومة مجتمعةً وبالتحديد وزارة المالية والإدارة الضريبية فيها بالرسوم التي تحقّق وتحصل لصالح الدولة، ليأتي النص المقترح بمثابة استدراك لأي نقص أو إهمال من جهة، وللتهرّب من أي تبرير للتعديل في حال لحق برسمٍ معيّن، من جهة ثانية.
والحكومة التي تهمل الجباية من مكامن هدر كثيرة، إن من حيث الأملاك البحرية والنهرية، أم ضبط الحدود لوقف التهريب الذي يستنزف الإقتصاد اللبناني، أو حتى التهرّب الضريبي، تصمم على زيادة كل الرسوم، وذلك إما بمواد تتعلّق بالتعديلات الضريبية الواردة في مشروع القانون، وإما بموجب المادة الثالثة والأربعين التي ضمّنتها وزارة المال في مشروع الموازنة لتبقى سيفاً مسلطاً على رقاب الطبقات الفقيرة وعدم المساس بالطبقات الغنية.
وإصرار الحكومة على رفع معدلات الضرائب والرسوم غير المباشرة، يضرب حوالي الـ90 % من اللبنانيين بعدما انهارت الطبقة الوسطى، وانضمت إلى الطبقات الفقيرة حيث بات فقط 10 %، وبالتالي فإن الخلل الكبير في التوازن بين الطبقات الذي ستفرضه هذه الرسوم، يسير بلبنان إلى مصافي الدول الفقيرة جداً في حال استمر التهميش الرسمي لهذه الطبقات الدونية، ويقضي على مبدأ العدالة الضريبية من أساسه.
والخطير في المادة المذكورة هو تفويض وزير المالية مهمة التقصي عن الرسوم المعنية بالنص، وتحديدها بقرار منه (تحديد دقائق التطبيق)، مما يعني عملياً منح حق التشريع المالي للوزير.
ولكن من المتعارف عليه في القوانين المالية، إن التعديلات الضريبية في مشروع أي موازنة، هي من فرسان الموازنة التي يجب استبعادها من المشروع، لذلك، فإن وجود هذه المادة الفاضحة في مشروع الموازنة هو هدف غير بريء لمعدّي الموازنة، يسمح للوزارة أن تتصرّف بكل راحة في الأمور المالية للدولة، ويخفي ما هو أعظم في دولةٍ اعتادت الفساد نهجاً لها.