وقف الدعم وتحرير الأسعار: مصلحة المستوردين

«نحن كجمعية تجّار، كنّا في 21 أيلول 2019 صوتاً مسموعاً لدى مصرف لبنان حين طالبنا بدعم ثلاث سلع (المحروقات، الدواء والقمح)، وأطلقنا تسمية الدولار الاجتماعي. للدقّة، هو ليس دعماً، ولكن شراء المستوردين للدولار بالسعر الرسمي»، يقول رئيس جمعية تجّار بيروت، نقولا الشماس لـ«الأخبار». ويشرح بأنّه «تبيّن بسبب التهريب الكبير، أنّ شرائح عديدة لم تستفد من الدعم. وفي نهاية المطاف، كان ربع أو ثلث المبالغ المدعومة فقط يصل إلى مُستحقيه. طالبنا بوقف هذه الصيغة (توفير دولار بحسب سعر الصرف الرسمي لاستيراد سلعٍ مُحدّدة)، وخاصة أنّنا كنا نُتّهم كتجّار بأنّنا مُستفيدون من الدعم». هل السكّان في لبنان حقل تجارب لقرارات تتغيّر كلّ بضعة أشهر؟ «ليسوا حقل تجارب. القرار كان رائعاً لو تمكّنت الدولة من تطبيقه بشكل جيّد، وضبط التهريب الذي خَرب الدنيا. وصلت البضائع المدعومة إلى كل أنحاء العالم».

بعدما بات مصرف لبنان «يقنّن» تمويل الاستيراد، بات «رفع الدعم» مطلباً رئيسياً للتجّار والمستوردين. تصرفاتهم عَكست ذلك: المسارعة إلى سحب الطلبات التي تقدّموا بها إلى وزارة الاقتصاد لاستيراد مواد مدعومة، تزويد المحال الغذائية والصيدليات بالسلع بعد تحرير أسعارها… خطاباتهم أيضاً تبدّلت نبرتها، مع إعلان استعدادهم الحصول على الدولارات من السوق الموازية، ولو بلغ سعر الصرف 16 ألف ليرة مقابل الدولار. التجّار ليسوا وحدهم من رفع الصوت. يواكب تأمين مصالحهم سياسيون وكتل نيابية ــــ

لماذا تحرير الأسعار يُناسب التجّار والمستوردين؟ الجواب يتشكّل من ثلاث نقاط:
ــــ اقتناع أصحاب نظرية «الاقتصاد الحرّ» بأنّ معادلة العرض والطلب هي التي تُحدّد الأسعار. يُعارض المُحتكرون والتجّار كلّ الإجراءات الهادفة إلى ضبط الأسعار وحماية مصالح السكّان… إذا لم يكن تطبيقها يؤمّن لهم ربحية مُعينة.
ــــ المنافسة الداخلية بين التجّار على «الدولار المدعوم». يُنظر إلى مستوردي المحروقات والدواء والقمح والسلع الغذائية على أنّهم نالوا «امتياز» تأمين الدولارات من مصرف لبنان، في مقابل تجّارٍ يشترون الدولارات من السوق الموازية.

ــــ السياسة المُتبعة من قبل مصرف لبنان منذ سنوات بخنق الاقتصاد، ويُجاريه فيها سياسيون ومُحتكرون وتجّار. يريدون سدّ العجز في ميزان المدفوعات (صافي الأموال التي دخلت إلى لبنان وتلك التي خرجت منه) عبر رفع الأسعار وضبط الاستهلاك، فتخفّ الحاجة إلى الدولارات للاستيراد. يُجبر السكان على تبديل عاداتهم، عبر تدمير قدراتهم المعيشية.

في معركة وجودهم، سيُحارب التجّار والمحتكرون لضمان ما يعتبرونه مكتسبات لهم، ويضغطون لفرض سياسات تُناسبهم. يقول كمال حمدان إنّ هذا «جزء من عملية السقوط الحرّ وغياب الدولة والسياسات، وترك عملية التصحيح للأقوى والمسيطرين على السوق. تُفرض حلول تزيد الفقراء فقراً، فيما لا حلّ إلا بخلق بديل سياسي».

 

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقة“حليمة” السلطة النقدية تعود إلى “عادتها القديمة”… والمودعون “يودّعون” ما تبقّى من ودائع
المقالة القادمةنقابات الأفران تحذّر من “أزمة رغيف قسرياً”