وماذا إذا كرّر الدولار تجربة حزيران 2020؟

ما يصيبنا في موضوع استمرار انهيار سعر صرف الليرة في السوق السوداء، وهي السوق الحرة الوحيدة حالياً، شبيه بما أصابنا في موضوع الافلاس وضياع الاموال في المصارف. صرفنا طوال 20 عاما عبر الاقتراض دورياً من المصارف، ومصرف لبنان لسد العجز في الموازنة. هدرنا حوالى 35 مليار دولار على دعم الكهرباء. دفعنا تعويضات ورواتب تقاعدية أذهلت المؤسسات الدولية وبينها البنك الدولي، وأدهشت شركة «ماكنزي» عندما اطّلعت على الأرقام لإعداد برنامج اقتصادي للبلد. رفعنا الرواتب بنسبة 100%، وبسعر ليرة مدعومة بالدولار من اموال المودعين (سلسلة الرتب والرواتب) في زمن كنّا قد اقترضنا فيه بصورة طارئة بفوائد خيالية (الهندسات المالية). وبعد كل ذلك، رحنا نسأل، وبجدّية، أين ذهبت الاموال؟ نريد أن نعرف.

الأمر نفسه يحصل معنا اليوم، والمقصود بـ«نحن» هنا، المنظومة السياسية برمتها. أعلنت تعليق دفع مستحقات اليوروبوندز في 7 آذار 2020 (نحتفل اليوم بذكرى مرور سنة وشهر)، من دون خطة جاهزة للانقاذ. هُدرت أموال مصرف لبنان، حتى نضبت ولم يبق سوى الاحتياطي الالزامي. تُرك الاقتصاد لمصيره، أقفلت المؤسسات وهي مستمرة في الاقفال تباعاً، ارتفعت نسب البطالة والفقر الى مستويات مرعبة، انكمش حجم الاقتصاد (GDP) الى مستويات غير مسبوقة تقريبا في أي دولة في العالم. واصلت الدولة الانفاق من جهة، والدعم العشوائي من جهة أخرى. وفي موازاة الانفاق من الاحتياطي بالعملات، كان يتمّ الانفاق بالليرة بواسطة الطباعة. وارتفعت الكتلة النقدية بالليرة منذ 2019 حتى 2020، من 9818 مليار ليرة، الى 29244 مليار ليرة، أي بزيادة نسبتها 300%، وهي بالمناسبة النسبة نفسها التي سجّلها ارتفاع الدولار على الليرة خلال العام 2020.

ما هو مؤكّد انّ الليرة ستواصل مسارها الانحداري، ولو انها مرةً تنهار بسرعة، وأحيانا ببطء، واحيانا قد تعود وترتفع. هذا الامر بديهي، والخط البياني للانهيار لا يمكن ان يكون إلا متدرجاً (up & down).

في المحصلة، يُلاحظ ان معدل نسبة ارتفاع الدولار شهريا بلغت حوالى 25%. ويتبيّن ان الدولار ارتفع في شباط 2021 من 8800 الى 9600 بزيادة 10%، وهي نسبة لا تصل الى معدل ارتفاعاته الشهرية في 2020.

وبالتالي، اذا ارتفع في آذار بنسبة 25%، أي وفق معدل ارتفاعه الشهري في العام الماضي، فإنه سيصل في نهاية الشهر الى 12 الف ليرة. أين المفاجأة في ذلك؟ واذا لم يفعلها في آذار فقد يحققها في نيسان، ولا أحد يعرف متى يكرّر الدولار تجربة حزيران، ويرتفع 125% في شهر واحد.

كل المطلوب من المنظومة وقف مسرحيات الاندهاش والاستغراب والدهشة، والتفرّغ الى معالجات حقيقية تتجاوز سقف اعتقال صراف أو إغلاق منصّة.

مصدرجريدة الجمهورية - أنطوان فرح
المادة السابقةنعمة: مسؤولية مراقبة التهريب تقع على عاتق قوى الأمن والجمارك
المقالة القادمةمرافق ومرافئ عامة في خطر… والشلل آتٍ!