لسنوات، كان لبنان مفتوناً بحلم استخراج احتياطيات كبيرة من النفط والغاز من مياهه الساحلية. وقد أثار الوعد بثروات الطاقة الأمل في الرخاء الاقتصادي والاستقرار في دولة تتصارع مع التحدّيات السياسية والاقتصادية. ومع ذلك، من الضروري تحليل مفهوم النفط في لبنان، ودراسة ما إذا كان يتمتّع حقاً بالقوّة التحويلية التي يعتقد الكثيرون أنه يمتلكها.
الآمال الأولية: في عام 2010، غامر لبنان بأول جولة للتراخيص البحرية، ما فتح الباب أمام شركات الطاقة العالمية لاستكشاف مياهه في البحر الأبيض المتوسط. كان هذا بمثابة بداية رحلة محيّرة نحو ثروات الطاقة المحتملة. إن حرص الحكومة ومشاركة الشركات الشهيرة مثل توتال لم يؤدِّ إلّا إلى زيادة التوقّعات.
الوعود الاقتصادية والحقائق السياسية: يُنظر إلى احتمال وجود احتياطيات كبيرة من النفط والغاز في لبنان على أنه حلّ سحري محتمل للمشاكل الاقتصادية في البلاد. ومن الممكن أن تحدث الإيرادات المتولّدة من صادرات الطاقة ثورة في المشهد المالي للبلاد، ما يوفر الأموال لمبادرات البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية التي تشتدّ الحاجة إليها. ومع ذلك، فمن الضروري النظر في الديناميكيات السياسية المعقّدة الجارية. إذ يتميز المشهد السياسي في لبنان بانقسامات عميقة وتاريخ من الفساد. يعدّ تخصيص عائدات النفط والغاز قضية مثيرة للجدل، مع احتمال إساءة استخدامها أو سوء التخصيص. إن التوصّل إلى اتفاق عادل وشفّاف لتقاسم الإيرادات يستفيد منه جميع شرائح المجتمع اللبناني يشكّل تحدّياً هائلاً، وهو التحدّي الذي لم تتمّ معالجته بشكل مرضٍ بعد.
التوتّرات الجيوسياسية: إن موقع لبنان في منطقة تتّسم بالتعقيدات الجيوسياسية يزيد من تعقيد طموحاته النفطية. وتشترك البلاد في حدودها البحرية مع إسرائيل، وهي دولة تمتلك موارد طاقة بحرية كبيرة خاصة بها.
ديناميات السوق العالمية: يتطوّر مشهد الطاقة العالمي بوتيرة سريعة. ويثير التحوّل نحو مصادر الطاقة المتجدّدة، إلى جانب تقلّب أسعار النفط، تساؤلات حول جدوى تطلّعات لبنان النفطية على المدى الطويل. ومع تحوّل العالم نحو حلول الطاقة المستدامة، قد ينخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما قد يؤثر على الجدوى الاقتصادية لمشاريع النفط والغاز.
الحاجة إلى التنويع: في حين أن جاذبية النفط والغاز لا يمكن إنكارها، فمن الضروري أن ينظر لبنان إلى هذه الموارد كجزء من استراتيجية اقتصادية أوسع. ويشكّل التنويع عبر مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة المتجدّدة والتكنولوجيا والسياحة، ضرورة أساسية لتحقيق الاستقرار والقدرة على الصمود على المدى الطويل.
إنّ وهم النفط في لبنان هو رواية معقّدة، تتشابك مع الآمال الاقتصادية، والتحديات السياسية، والاعتبارات البيئية، والتوترات الجيوسياسية. ورغم إمكانية وجود احتياطيات كبيرة، فمن الضروري التعامل مع هذا المورد بفهم واضح للتحدّيات المتعدّدة الأوجه التي يمثّلها.
يجب على لبنان أن يسلك الطريق نحو استكشاف الطاقة بحذر، مع ضمان إدارة الإيرادات بشكل شفاف وعادل. بالإضافة إلى ذلك، تعدّ الإستراتيجية الاقتصادية الأوسع التي تتضمّن التنويع أمراً بالغ الأهمية لتحقيق النمو المستدام للدولة ومرونتها في مشهد عالميّ دائم التغيّر.