توقع البنك الدولي في أحدث تقاريره حول آفاق الاقتصاد العالمي أن يؤدي تراجع الطفرة النفطية، التي تشهدها المنطقة العربية، إلى تباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي للبلدان العربية مجتمعة سيبلغ خلال العام الحالي نحو 3.5 في المئة، لكنه سيتقهقر في العام المقبل ليصل إلى نسبة 2.7 في المئة.
وحصدت الدول المُصدرة للنفط مكاسب غير متوقعة بفضل ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز، وزيادة حجم الإنتاج وخاصة المنضوية ضمن تحالف أوبك+، جراء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وهذا الأمر انعكس على تحقيق كل من السعودية والإمارات والكويت زيادة في الناتج المحلّي الإجمالي بأسرع وتيرة منذ نحو عقد من الزمن، بينما حققت قطر وسلطنة عمان والبحرين فوائض مالية معتبرة.
وبفضل ثبات أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار الأميركي، ودعم الوقود، تمكّنت دول الخليج العربي من الإبقاء على معدل التضخم عند مستوى أدنى بكثير من المتوسط العالمي.
لكن بحسب البنك الدولي، فإن نمو الدول النفطية العربية بحد ذاتها سيتباطأ من 6.1 في المئة في العام الماضي إلى 3.3 في المئة هذا العام، وإلى 2.3 في المئة خلال العام المقبل.
وخفّض البنك توقعاته لنمو السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، عن التقديرات التي أصدرها في منتصف 2022، بمقدار 0.1 في المئة لهذا العام إلى 3.7 في المئة، وبواقع 0.7 في المئة للعام المقبل إلى 2.3 في المئة.
وتأتي التعديلات بالنقصان في توقعات آفاق النمو انعكاسا للتباطؤ الذي يُتوقع أن يتعرض له الشركاء التجاريون الرئيسيون للسعودية، والتخفيضات الجديدة في إنتاج النفط، والآثار اللاحقة لتشديد السياسة النقدية المحلية.
في المقابل يُشير التقرير إلى أن ارتفاع معدل التضخم وتشديد الأوضاع المالية أثّرا بشكل كبير على الناتج المحلّي في بلدان المنطقة المستوردة للنفط.
وشهدت مصر والمغرب، على سبيل المثال، تباطؤا كبيرا في النمو، بموازاة ارتفاع التضخم ليصل إلى معدلات غير مسبوقة.
وقدّر البنك في تقريره أن ينمو الاقتصاد المصري بمعدل 4.5 في المئة للسنة المالية الحالية التي تنتهي في أواخر يونيو المقبل، انخفاضا من 4.8 في المئة كما ورد في توقعات يونيو.
وقال “يؤدي ارتفاع معدل التضخم في مصر إلى تآكل الأجور الحقيقية، ما يؤثر على الاستهلاك المحلي”، مرجّحا أن يتسبب انخفاض معدلات نمو الطلب الخارجي في الحد من أنشطة قطاعيْ الصناعة التحويلية والسياحة.
ويرى أن تشديد السياسات المالية العامة والسياسات النقدية، بهدف كبح جماح التضخم المرتفع والعجز الضخم في الحساب الجاري، سيؤدي إلى تقييد النمو بصورة أكبر.
ويرجع خبراء البنك توقعاتهم بتراجع نمو الاقتصادات العربية في 2023 إلى العديد من المخاطر الناجمة عن تنامي تدهور أوضاع الشركاء التجاريين الرئيسيين وتشديد الأوضاع المالية العالمية وازدياد التوترات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي.
وتسلط كل تلك العوامل الضوء على احتمال حدوث المزيد من حالات الانكماش الاقتصادي وزيادة معدلات الفقر.
وقد يؤدي المزيد من تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية على الصعيدين العالمي والمحلي إلى دخول البلدان التي تعاني اختلالات كبيرة في اقتصادها الكلّي نَفَق الأزمات.
ويحتاج الاقتصاد العربي إلى توفير 10 ملايين فرصة عمل جديدة كل عام حتى يتصدى لمعضلة الفقر والبطالة، على أن تتاح الفرص وفقا لسياسات نمو شاملة تعزز مشاركة النساء لتعزيز التنمية.