حَمَلَ المودعون اللبنانيون قضيّتهم ووضعوها أمام المحاكم الأميركية، علّها تنصفهم أكثرَ ممّا أنصفهم القضاء اللبناني على مدى نحو 4 أعوام. ويرى المودعون أن المصارف اللبنانية أساءت الأمانة ومنغمسة في قضايا الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال. أما محاولة رمي مسؤولية ضياع الودائع على الدولة اللبنانية، ففيه الكثير من محاولات الهروب إلى الأمام، في حين أن الحقيقة هي قيام التحالف السياسي المصرفي بتبديد أموال المودعين.
وفي محاولة لحسم الجدل، أو على الأقل استعادة ما أمكَن من الأموال المحتجزة، تقدَّمَ عدد كبير من المودعين اللبنانيين الذين يحملون جنسيات أميركية، بدعاوى قضائية أمام محكمة نيوجرسي، وتكليف مكاتب محاماة تُعتَبَر من الأقوى والأشهر في الولايات المتحدة الأميركية.
فهل تصل الجهود إلى خواتيمها المطلوبة، أم أن نفوذ المصرفيين والسياسيين سيكون عابراً للقارّات؟ خصوصاً وأن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، متورِّطٌ في الملف، والدعاوى تطاله.
البنك اللبناني السويسري في الواجهة
توزَّعَ المودعون على أكثر من جهة وتجمّع، تصبّ جهودهم في الضغط على المصارف والدولة والقضاء، لإنهاء أزمة الودائع على نحوٍ عادل ومنصف لا يؤدّي إلى تبخُّر ما تبقّى من الودائع. ومع أنّ بعض المودعين حصلوا على بعض ودائعهم بصورة سلمية حيناً وعنفيّة أحياناً، إلاّ أن النجاح يبقى ضئيلاً جداً مقارنة بالإخفاقات التي يندرج تحتها فشل مودعين بتحرير أموالهم ولو لتلقّي علاجات مرض السرطان.
القضاء اللبناني لم يكن على قدر التطلّعات في هذا الملف، وفق ما يراه “تحالف متحدون” الذي يضمّ عدداً كبيراً من المودعين. والتحالف، يعتبر أن القضاء “يتمادى بتكريس الظلم الواقع على المودعين، سيّما تمادي القضاة المشكو منهم أمام هيئة التفتيش القضائي في تحوير وتزوير ملفات دعاوى المودعين لديهم، فيما لم تقم الهيئة حتى الساعة بتصويب أي من الإجراءات الباطلة المشكو منها، بما يضرب مبدأ “حياد القاضي” ويكرّس التلاعب بالملفات”.
وفي حين قرَّرَ التحالف “مهاجمة المزيد من المصارف وبيوت أصحابها” في لبنان، ارتأت جمعية صرخة المودعين عبور الحدود والتوجّه غرباً نحو الولايات المتحدة الأميركية، ورفع دعاوى قضائية ضد المصارف اللبنانية ومصرف لبنان وحاكمه السابق رياض سلامة.
وهذه الدعاوى ليست الأولى من نوعها في الولايات المتحدة، فقد سبقها لأولّ مرّة، دعوى في حزيران 2020، رفعها كلٌّ من جوزيف ضوّ وزوجته كارن ضوّ، وهما من حَمَلة الجنسية الأميركية، ضدّ مصرف لبنان، بنك BLC، الاعتماد اللبنانية وبنك الموارد. وطالَبَ الزوجان بعطل وضرر بقيمة 150 مليون دولار.
في حين أن آخر الدعاوى هناك، سُجِّلَت في نهاية العام الماضي. وهي موجّهة ضد مسؤولَين اثنين في مصرف لبنان.
قرار التوجّه نحو القضاء الأميركي لم يكن صدفة “فهناك الكثير من المودعين اللبنانيين في الولايات المتحدة، يتواصلون مع بعضهم البعض منذ مدّة، وقرَّروا اتخاذ هذه الخطوة”، وفق ما تقوله مصادر في صرخة المودعين، والتي تبيِّن أن “مجموعة من المودعين في البنك اللبناني السويسري في أميركا، قدّموا ملف الدعوى ضد البنك ورئيس مجلس إدارته، أمين الصندوق السابق لجمعية المصارف، تنال الصباح، بتهمة النصب والاحتيال على عدد كبير من المودعين”.
وليسَ مودعو البنك هذا، وحدهم في المعركة، بل “ساندهم مودعو البنوك الأخرى المتّهمة. لكن يبقى البنك اللبناني السويسري في الواجهة”، نظراً لانطلاق الدعاوى من عنده.
يُبدي المودعون تفاؤلهم. وبرأي المصادر “يتوقَّع المحامون أن يُطلَبَ الصباح للشهادة في المحكمة أو يُدّعى عليه”. وترتفع أسهم التفاؤل عبر استحضار “إمكانية تطوُّر الملف وإدخال المصارف والأشخاص المتورّطين، في مسار فرض عقوبات عليهم من قِبَل وزارة الخزانة الأميركية، تبعاً للاتهامات المساقة ضدّهم”. وتستبعد المصادر “عدم تعاون المتّهمين مع الاتصالات والقوانين الأميركية”.
الصورة ضبابية
التعويل على اختلاف طريقة تعامل القضاء الأميركي مع الملف مقارنة بالقضاء اللبناني، يعني أن القضية لا تزال في بداياتها. فبعيداً من آمال المودعين، يستدعي المسار القانوني الانتباه إلى أن “للقضاء الأميركي إجراءاته الخاصة وأصوله وقوانينه، ولا يمكننا معرفة مصير الدعاوى مسبقاً. فهناك الكثير من المتطلّبات على عاتق المُدَّعين، ومتطلّبات أخرى على عاتق المدّعى عليهم”، على حدّ تعبير أستاذة القانون المتخصصة في الشأن المصرفي، سابين الكيك.
لا تقلِّل الكيك في حديثها لـ”المدن” من أهمية الخطوة التي قام بها المودعون. فالانتباه إلى السياق القانوني “لا يُنقِص حقّ المودعين برفع الدعاوى في لبنان والخارج. بل على العكس، لا بدّ من رفع الدعاوى لتثبيت الحق، حتى وإن لم تصل إلى نتائج سريعة”.
وفي الدعاوى أمام محكمة نيوجرسي، تقول الكيك، إن على المودعين “النظر أوّلاً إلى قبول المحكمة للدعاوى من ناحية الشكل والاختصاص، فسبق للمحاكم الأميركية رفض دعاوى مماثلة بسبب عدم الاختصاص. إذ تعتبر المحكمة أن المرجع المفترض به النظر في هذه الدعاوى هو القضاء اللبناني. لكن أيضاً، قد تُقبَل الدعاوى إن كانت بتهم تبييض الأموال والاحتيال وما إلى ذلك. ولذلك، تبقى الصورة ضبابية”.
ما يمكن البناء عليه في هذه القضية هو أن المودعين “وضعوا المصارف أمام مواجهة إضافية لا يمكن التهرّب منها. والمتّهمون مجبرون على تكليف مكاتب محاماة ومتابعة القضية ودفع تكاليف مادية لقاء ذلك. والقضية بهذه الحالة باتت أمراً واقعاً”.
محاولة تُضاف إلى أخواتها من المحاولات السابقة. ومسار قانونيٌّ لا يملك المودعون سوى التعويل عليه للضغط على المصارف ومصرف لبنان ورياض سلامة للإقرار أوّلاً بمسؤوليّتهم عن الأزمة، ثمّ إعادة الأموال لأصحابها. لكن هذا المسار ليس سهلاً، كما أن الأحلام والأمنيات مشروعة هنا، وإن وصلت لمستوى تمنّي إصدار وزارة الخزانة عقوبات على المصارف وأصحابها وشركائها.