ما كان لإعلان برلين عن التأكد من رواية تسميم المعارض الروسي، مؤسس “صندوق مكافحة الفساد” أليكسي نافالني، بغاز أعصاب من مجموعة “نوفيتشوك” أن يمر دون أن تتعالى في الدول الغربية الأصوات المطالبة بتعليق تنفيذ مشروع “السيل الشمالي-2” لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا.
ومع ذلك، لا تبدي السلطات الألمانية بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل حتى الآن توجهاً قوياً لربط تسميم المعارض الروسي الأبرز بمصير “السيل الشمالي-2” الذي سيتيح بعد تشغيله نقل 55 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق.
وفي الوقت الذي رأى الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أمس الأول الثلاثاء، أنه لا داعي لمناقشة مصير “السيل الشمالي-2” على المستوى السياسي كونه مشروعا تجاريا دوليا، أعربت ميركل عن عزمها على تنسيق أي أعمال ضد روسيا مع الشركاء الأوروبيين مع استبعاد احتمال الرد أحادي الجانب، وفق ما ذكرته وكالة “بلومبيرغ” الأميركية. ومع ذلك، فتحت ميركل مجالاً لاتخاذ إجراءات تتعلق بـ”السيل الشمالي-2″، مؤكدة في الوقت نفسه أنها لم تتخذ قراراً.
وهذه ليست أول مرة يصطدم فيها “السيل الشمالي-2” بعقبات جيوسياسية، فقد واجه المشروع العديد من العقبات، من بينها تأخر الدنمارك في منح تصريح لمد الخط عبر مياهها الإقليمية قبالة جزيرة بورنهولم في بحر البلطيق، كما واجه فرض عقوبات أميركية أدت في نهاية العام الماضي إلى تعطل مد أنابيب الخط، ووصولاً إلى قضية نافالني، وهو ما ينذر بعدم استكمال المشروع قبل نهاية العام الحالي.
ومع ذلك، يتوقع نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، ألا تؤدي قضية نافالني إلى تعطل إكمال مشروع “السيل الشمالي-2″، كون ذلك يتعارض مع المصالح الألمانية والأوروبية من جميع النواحي، وفق اعتقاده.
ويقول غريفاتش، في حديث لـ”العربي الجديد”: “من وجهة نظري، لا يلبي العدول عن استكمال المشروع مصالح ألمانيا والاتحاد الأوروبي لا اقتصادياً ولا سياسياً”.
وحول طبيعة الإجراءات المتوفرة بين أيدي الحكومة الألمانية لتعطيل المشروع، يضيف غريفاتش: “بالطبع، يمكن اللجوء إلى حيلة ما، مثل سحب التراخيص، ولكن الخسائر الاقتصادية والسياسية سيضاف إليها في هذه الحالة إلحاق ضرر بسمعة البلاد، ما يعني تكبد خسارة ثلاثية من أجل ذريعة مشكوك فيها”.
ورغم حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وغيره من المسؤولين الروس عن تشغيل “السيل الشمالي-2” في الربع الأخير من العام الحالي أو الربع الأول من العام المقبل، إلا أن صحيفة “كوميرسانت” الروسية ذكرت أن سفينة “الأكاديمي تشيرسكي” الروسية لمد الأنابيب لا تملك المعدات اللازمة، كما أنه لم يتم تحويلها للتحديث مثلما تردد سابقاً. ولفتت الصحيفة، مطلع الأسبوع الجاري، إلى أن اقتراب موسم العواصف ببحر البلطيق سيزيد من صعوبة تنفيذ الأعمال.
ومع ذلك، أشارت “كوميرسانت” إلى أن التأخر في تشغيل “السيل الشمالي-2” لن يشكل مشكلة كبيرة لعملاق الغاز الروسي “غازبروم” لجهة الوفاء بعقود توريد الغاز إلى أوروبا.
وتبلغ الطاقة الإجمالية لخطوط “السيل الشمالي-1″ و”يامال – أوروبا” والأنبوب الثاني من “السيل التركي”، نحو 300 مليون متر مكعب يومياً، بالإضافة إلى حوالي 123 مليون متر مكعب يمكن ضخها عبر أوكرانيا بموجب عقد ترانزيت الغاز، وإمكانية سحب ما لا يقل عن 45 – 50 مليون متر مكعب من الغاز يومياً من المستودعات داخل أوروبا. ولما كانت احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز تبلغ في فترات الذروة 463 مليون متر مكعب يومياً، فإن الإمكانيات الحالية تتيح تلبيتها حتى من دون “السيل الشمالي-2”.
وكانت وكالة “بلومبيرغ” قد ذكرت، في الأسبوع الماضي، أن الكتلة الحاكمة في ألمانيا لن تدعم على الأرجح التخلي عن “السيل الشمالي-2” في ظل دعم قطاع الصناعة الذي يحظى به المشروع، والعلاقات الروسية الألمانية العميقة واضطرار السلطات الألمانية لدفع تعويضات للشركات المشاركة في المشروع في حال العدول عنه. كما أن السيل الشمالي يعد من مشاريع الطاقة الاستراتيجية في ألمانيا التي يعتمد اقتصادها على التصنيع.