أبعد من أزمة التفاح … صمود موارنة الجبال على المحكّ

ليست زراعة التفاح مسألة “عرضية” في لبنان، وأفولها، إذا حصل، لن يكون أمراً عادياً. فثمرة التفاح تملك من العناد ما جعلها تنبت حتى في جبال الألب العالية، وترتوي من الثلوج وتتحدى الجليد. التفاحة التي يحين في أيلول موعد قطافها، كما سكان الجبال وموارنته، تتشبث في البقاء لكن مثلها مثلهم، ومثل مزارعي التبغ في الجنوب والحمضيات في السهل، قد تختنق وتموت “على أمها”.

ها هو أيلول يشارف على الإنتهاء. وها هو المطر قد بدأ يهطل. وها هي محاصيل التفاح راكدة كاسدة. وها هو المزارع يصرخ والمؤسسات الزراعية التي تعنى به تصرخ فهل ستسمع الحكومة الجديدة؟ لا وقت للحكومة الجديدة العتيدة لتدرس الملفات بل عليها أن تقرر اليوم: ماذا ستفعل بمزارعي التفاح؟ هل ستجد حلولاً ما لتصريف إنتاجهم أو لتخزين إنتاجهم؟

في عيناتا قضاء بعلبك، يقول المطران حنا رحمة، “إنها مجزرة أخرى ترتكب في حق قسم كبير من الشعب اللبناني الذي يعيش من زراعة التفاح. مزارعو العنب في سهل البقاع مهددون أيضاً. العنب قد يُحول الى دبس وعرق وخل لكن كميات التفاح كبيرة جداً وبحاجة ماسة الى تصريف. لذا، نصرخ بصوتٍ مرتفع مع المزارعين: بدنا حلّ. فبين يومٍ وآخر “سيهرّ” التفاح بسبب العواصف الآتية وتصبح العودة الى الوراء مستحيلة. مزارعو التفاح يريدون حلّا الآن يواجهون به مافيات التجار الذين ينتظرون “موت المزارع” كي يأخذوا محصوله “ببلاش”. يحتاج المزارع الآن الآن الى أبواب تفتح وتعزيز إمكانيات التصدير والدعم. يحتاج المزارع الى حلول سريعة. إنها مسؤولية الدولة وهو حقّ المزارع. والألم “جايي جايي” إذا لم يتم التحرك هذا الأسبوع”.

الحياد الإيجابي كان مطلب البطريرك الماروني بشارة الراعي. ويومها “هبّ من هبّ” لمواجهة هذه المقولة. “فالحياد، بحسب المطران رحمة، هو إجتماعي أيضاً واقتصادي، فلبنان حين يقيم المحاور ستقفل في وجهه السبل. وهو ما يحصل اليوم. فأسواق الخليج مقفلة في وجهه” يضيف رحمة: “لبنان يجب أن يكون مبنياً على السلام الإيجابي والمناخ الإنفتاحي” فما لا يقل عن 600 ألف عائلة لبنانية تعتاش من مواسم الزراعة فإذا لم تجد تصريفاً لمواسمها فكيف ستتابع الصمود في بلد يتهاوى كثير من مقوماته؟ وإذا لم يتم تصريف التفاح “فستُخرب بيوت” المزارعين.

ويقول رجاء سركيس “السوق جد عاطلة وما زاد الطين بلة هو الإحتكار والإستمرار في دعم التجار بدل المزارعين. والمزارع هو جزء من المجتمع لكنه يتأثر أكثر من سواه بالرواسب السيئة المهيمنة على المجتمع. تنتج تنورين نحو 350 الى 450 صندوق تفاح، بمعدل 8 الى 9 مليون طن سنوياً، وزراعته تبدأ من 1200 متر عن سطح البحر الى 1900 متر، ما يعطي أصنافاً عدة من حيث الجودة. ويشتري التاجر الصندوق، 20 كيلوغرام بسعر اربعة الى خمسة دولارات، في حين يباع الكيلوغرام الواحد في مصر مثلاً بسعر يعادل الدولارين الى ثلاثة دولارات. اما ما يباع داخلياً في السوبرماركت فلا يزيد عن عشرين سنتاً اميركياً. التفاح يباع من المزارع الى السمسار الى التاجر، وأكثر الخاسرين هو المزارع”.

إقتصادياً، أسواق التفاح تاريخياً ثلاث: مصر وليبيا والخليج. ليبيا كانت تستورد أيام زمان التفاح الأكثر جودة و”كان يا ما كان”. ومصر، أكبر سوق لاستيراد التفاح من لبنان، تقلص استيرادها من لبنان بعد سيل الأزمات وسقوط سعر الجنيه المصري، والبارحة حكي عن تعزيز التعاون في المجال الزراعي واستيراد التفاح اللبناني من مصر. اللهمّ أن يتحقق ذلك. أما السوق الثالث فهو الخليج وتحديداً المملكة العربية السعودية التي وضعت “بلوك” على التفاح اللبناني لأسباب سياسية لا أحد يجهلها. ماذا عن العراق والأردن؟ المملكة الأردنية كانت تستورد التفاح اللبناني لكنها عقدت أخيراً إتفاقات تجارية مع دول الإتحاد الأوروبي وباتت تؤمن حاجتها من هذه الدول.

 

مصدرنداء الوطن - نوال نصر
المادة السابقةالأسعار الإستهلاكية تنخفض “بخجل”… فماذا عن تأثير ارتفاع المحروقات؟
المقالة القادمةالمطاحن تتوقف تباعاً عن العمل