جليّةٌ باتت مطالب اللبنانيين فيما بتعلّق بالشقِ الاقصادي، خمسة أيام من التظاهرات حمل خلالها اللبنانيون شعارات تطالب بالعيش الكريم، ومحاسبة المفسدين، فيما اتجّهت الحكومة لجلستها الأولى في ظل الطوفان الشعبي، لدراسة “الورقة الإقتصادية” والبدء بتحقيق بعض المطالب الشعبية.
خمسة أيامٍ من التظاهرات، أثمرت غياب أي كلمة حول “الضرائب” أو ما يشير إليها، وشهدت فيها المصارف إغلاق أبوابها لأربعة أيام مخافة هلع المودعين.
ويبقى السؤال كيف سيتلقّف الشارع قرارات الجلسة الحكومية الأولى لمعالجة الأزمة؟ وهل البنود في الورقة الإقتصادية قابلة للتّحقق أصلاً؟ ما الحلول المنطقية الأخرى لإنقاذ لبنان ؟ وماذا عن تأثيرات مواصلة المصارف إغلاق أبوابها؟
هذه الأسئلة وغيرها، أجاب عليها الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، في حديث خاص مع “الاقتصاد”:
الورقة الاقتصادية هل هي قابلة للتّحقق؟
“عندما يفرض الشّارع الإيقاع، وتتكسّر حواجز الخوف، ونشهد مظاهرات في كافة المناطق، ونصل إلى طلاق بين المحازبين وأحزابهم ورؤسائهم ومسؤوليهم، يصبح كل شيئ مباحاً.
ونشهد اليوم تحوّلاً تاريخياً وانتقال شرعية السلطة إلى أيدي الشّعب، الذي يفرض المسار، فلم يعد مجلس الوزراء مجتمعاً مسؤولاً، ولا الورقة الإقتصادية، بدليل أن كافّة الطروحات والإقتراحات التي ستتبناها الحكومة في موضوع الإصلاحات الاقتصادية، سبق أن نوقشت على مدار سنوات ولم تُقر، فلماذا ستقر اليوم!! لأن “الشارع هو صاحب القرار”.
وفي 2019 عندما حكي عن تخفيض رواتب الرؤساء والنواب والوزراء، والسابقين منهم، بنسبة 50 % وترفض، واليوم يتم إعادة قبولها، إضافة إلى إلغاء المجالس، ومنها مجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجّرين يبيّن أن كل هذه الأفكار استهلكت كشعارات، إستهلكها السياسيون، وبات الشعب لا يثق بهم.”
ما الحلول المنطقية اليوم لإنقاذ لبنان ؟
“برأيي هكذا ننقذ لبنان:
* استعادة الأموال المنهوبة من خلال التعاقد مع شركة تدقيق عالمية “Audit” للتدقيق بكافة المناقصات والصفقات والتلزيمات بالتراضي، وإعادة الأموال المنهوبة.
ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر: تلزيم جوازات السفر، شراء مبنى “TOUCH”، ولوحات السيارات وغيرها.
* إسترداد الأموال والأرباح التي تحققت من الهندسات المالية المشبوهة، فهذه أموال عامة وليست مكتسبات خاصة.
* على الدولة تولي إستيراد الفيول مباشرةً من الخارج من دون المرور بـ “كرتيل” النفط، والاستيراد المباشر يوفّر على خزينة الدولة 200 مليون دولار سنوياً.
* اعتماد الضريبة التصاعدية، بغية تحقيق العدالة الاجتماعية، إذ لا يمكن لصغار المكلّفين أن يتساووا في النسب الضريبية مع كبار المكلفين.
* تحمل الدائنين “المصارف” جزء من المعالجة من خلال تخفيض 1% على فائدة الاستدانة الأمر الذي يوفر 860 مليون دولار.
* إلغاء كل المخصصات والامتيازات للنواب والوزراء الحاليين والسابقين والمؤسسات ذات الطابع الديني.
* منع الاحتكار وتحرير بعض القطاعات الحيوية، منها مثلا: قطاع الاتصالات، والطيران وغيرها.
* إعفاء الشركات التي تخلق فرص عمل من بعض الضرائب.
* منع هروب الودائع عبر إجراءات تسمى Capital Controls، مع ضمان هذه الودائع بغية تخفيض الفوائد، وتحفيز القطاعات الاقتصادية على الاستثمار.”
هل تعتقد أن استعادة المال المنهوب قابل أن يتحقّق؟
“بالطّبع، هذا الإجراء قابل للتّحقق، وهو بحاجة إلى إطار قانوني، ومجلس نيابي يصادق على القانون بالدرجة الأولى، ومن ثمّ يبدأ القضاء النّظر في الملفات المشبوهة، ليصار إلى رفع السريّة المصرفية، ومن ثم مراسلة السلطات الأجنبية في سويسرا لرفع السرية المصرفية، وتجميد أرصدة الأشخاص المشبوهين.”
فيما يختص بالمصارف.. هل الضغط عليها من قبل الدولة ممكن؟
“هناك ضبابية لازالت موجودة فيما يختص بالـ 3 % التي ستمنحها المصارف مع مصرف لبنان، فهل هذه قروض تعيد البلاد إلى دوامة الدّين من جديد، أم هي هِبة، أم استرداد للهندسات المالية التي حققت فيها المصارف أموالاً وأرباحاً طائلة وهائلة.
ويجب توضيح فكرة إشراك القطاع المصرفي في معامل تدوير النفايات وتوليد الطّاقة، إذ إننا اليوم في اقتصاد حر ولا يمكن أن يفرض على القطاع الخاص أن ينشئ معامل للقطاع العام.
وهذه يمكن أن تكون بدعة، بحيث انتهج السياسيون سياسة الهروب إلى الأمام، وبقيت الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام حبراً على ورق لسنين، فيمكن أن تكون هذه الطريقة، بمثابة خط عسكري لإشراك القطاع الخاص في هذه المعامل، عبر الفرض على المصارف وليس طوعاً.”
وهل يمكن اليوم للحكومة استعمال سياسة الفرض الواقع على المصارف؟
“هذه مصارف تجارية، وتعمل بالجدوى الإقتصادية، ولديها حرية الاقتصاد لأننا نعيش في اقتصاد حر.
والمصارف اللبنانية معروف بنمط عملها، فهي تعتمد القروض الإستهلاكية، والقروض السكنيّة، وإقراض الدولة اللبنانية، ومشاركة المصارف في خطط الحكومة الجديدة ستكون سابقة والكلمة الفصل فيها هي للمصارف وليس للدولة اللبنانية، لأن بهذه الطريقة نكون في طريق تأميم البلد.”
كيف سيؤثر تخفيض 1% على فائدة الاستدانة على المصارف؟
“الوضع اليوم ناتج عن أخطاء الحكومات المتعاقبة، واليوم السؤال، كيف ستلزم قطاعاً بالدّفع وهو كان ركيزة وعموداً فقرياً للاقتصاد الوطني.
الجواب، هو عبر تكريس العدالة الإجتماعية وإعادة النظر بالسياسة الضريبية. ما يعني إيجاد شطور تحدد الضرائب على الأرباح، بحيث من يربح مليار دولار لا يعامل كمن يربح أقل من مئة دولار.
وكيف يمكن المفاوضة على موضوع 1% على فائدة الاستدانة؟
اليوم الدولة مديونة للمصارف، وببساطة إذا أعلنت الحكومة عدم قدرتها على السّداد، وإعلام المصارف بنسبة معينة تستطيع سدادها، فإن في هذه الحالة يكون المديون هو في موقع القوّة. والحديث هنا ليس من باب الإستبداد، إنما اليوم الفوائد مرتفعة جداً نتيجة الأوضاع الاقتصادية والمالية المتأزمة، والخشية الوحيدة اليوم أن تهرب هذه الأموال وهذه الودائع إذا خفّضنا هذه الفوائد، والعمل هنا يجب أن ينصب إلى شيء يسمى “Capital Control”، لمنع هروب الودائع، مع ضمان هذه الودائع عبر التعهّد أنها ستبقى كما هي، لأن اليوم في الخارج عندما يتم دفع 1 % و 2 % ويمكن هنا للمصرف أن يدفع 5 %، فتلقائياً يمكن بعدها الخفض على الدّولة، وهنا يكون هناك تعهّد بعدم المساس بالودائع، وبنفس الوقت تم تأمين عدم هروب الودائع، ويمكن حينها أن يتم التخفيض تدريجياً للفوائد.
إغلاق المصارف أبوابها أربعة أيام متتالية ما تأثيراته؟
بعد الهجمات على برجي التجارة في نيويورك في أيلول عام 2001، أغلقت المصارف أبوابها والبورصات بهدف امتصاص الأزمة.
واليوم الوضع شبيه والخشية من شيء يسمى “Run to banks effect”، بحيث أنه لو تم فتح المصارف اليوم، فإن الهلع يدفع الناس إلى الهجوم على المصارف، لسحب الودائع.
اليوم الودائع المقدّرة بـ 170 مليار دولار، (73 % منها بالدولار والباقي بالليرة اللبنانية)، هي حبر على ورق، لأنها ليست موجودة، فاحتياطي المصارف الموجود في مصرف لبنان، والأموال الموجودة عند المراسِلين من المصارف والبالغة 6 مليارات دولار، إضافة إلى 32 مليار دولار عند مصرف لبنان، وباقي الأموال التي تظهرها المصارف في السّوق، فإذاً الـ 170 مليار دولار غير موجودة اليوم، وإذا أراد 50 % من المودعين سحب أموالهم في ظل حالة الهلع، فنحن حينها نصبح في حالة إفلاس بالدولار والليرة ككل.
والمصارف ستبقى مغلقة وأنا مع هذا القرار، حتى تتكشّف هذه الضّبابية، لأن فتح المصرف اليوم سيقابل بهجمة من المودعين، بالتالي المصارف لن تتحمّل وستعلن إفلاسها.