تنتاب أثرياء الصين المخاوف من تطور النزاع بين بكين وواشنطن ليشمل حظر استخدام الدولار على بعض الشركات والمصارف الصينية، وكذلك حظر استخدام نظام التسويات العالمي “سويفت”، إذ إن حدوث مثل هذا الحظر سيهدد مباشرةً ثرواتهم وتعاملاتهم المالية مع المراكز المالية الغربية. ويتوقع محللون غربيون أن تُطلق هذه المخاوف موجة جديدة من هروب الثروات الصينية إلى الخارج، شبيهة بما حدث من هروب أكثر من تريليون دولار في عامي 2015 و2016.
وحتى الآن تشير الأرقام التي نشرتها مصارف استثمارية غربية، إلى أن الأموال التي هربت من الصين ليست كبيرة بسبب الإجراءات المشددة التي اتخذها البنك المركزي الصيني لحركة التحويلات المالية خارج الصين واستقرار سعر صرف اليوان، لكن المشهد قد يتغير في المستقبل حسب مراقبين.
في هذا الشأن، قدّر مصرف “غولدمان ساكس” الاستثماري الأميركي في تقرير صدر خلال عطلة الأسبوع، أن نحو 9 مليارات دولار هربت من الصين خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، وأن نحو 19 مليار دولار هربت خلال شهر مايو/ أيار الماضي، وبالتالي هنالك نحو 28 مليار دولار هربت خلال شهرين فقط.
وهذا المعدل من الثروات الهاربة من الصين يعد ضئيلاً مقارنة بما شهدته الصين من هروب أموال خلال عامي 2015 و2016، حينما ضرب سوق المال الصينية الانهيار الكبير الذي أجبر سلطات النقد الصينية على خفض قيمة العملة الصينية (اليوان) عدة مرات، وزيادة هامش التأرجح لليوان مقابل العملة الأميركية في مراكز “الأوفشور”. وتراجع الاحتياطي الأجنبي الصيني وقتها بنحو 800 مليار دولار خلال عامين بسبب دعم سعر صرف اليوان، إذ هرّب أثرياء الصين وقتها نحو 1.2 تريليون دولار. لكن غولدمان ساكس، أشار في بياناته إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي في السندات والأسهم الصينية حافظ على قوته. وقال المصرف إن المشتريات الأجنبية في السوق الصينية بلغت 11 مليار دولار في يونيو/ حزيران الماضي و16 مليار دولار في مايو/ أيار الماضي.
واستفادت الصين من ارتفاع حجم المشتريات الأجنبية في الأسهم والسندات ومن خفض معدل الفائدة على الدولار وارتفاع سعر صرف اليوان في يونيو/ حزيران بنسبة واحد في المائة مقابل العملة الأميركية، وهو ما يحقق أرباحاً للمصارف الأميركية. وعادة ما يؤدي تدهور سعر صرف اليوان إلى هروب رأس المال من الصين، خاصة من قبل الأثرياء الذين يتخوفون على ثرواتهم من التآكل. لكن يبدو أن الصين تعدّ مجموعة من الأسلحة المالية والنقدية هذه المرة للتعامل مع احتمال حظر واشنطن لمصارفها وشركاتها، كما تعد كذلك لاحتمال أن يؤدي مثل هذا القرار إلى هروب أموال ضخمة من أسواقها للخارج. وتشير بيانات مصرف “غولدمان ساكس” إلى أن الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي الصيني ارتفع بنحو 11 مليار دولار في يونيو/ حزيران ليبلغ 3.11 تريليونات دولار.
وشهدت الثروات الخاصة خلال السنوات الأخيرة في الصين، ارتفاعاً كبيراً في البلاد، ومعظم هذه الثروات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمراكز المال الغربية، كذلك فإن جزءاً منها مستثمر في عقارات وأسهم وسندات في أسواق المال الغربية. وكان مليارديرات البر الصيني يستخدمون في السابق هونغ كونغ كمركز تجاري حر في التعامل مع مراكز المال الغربية، ولكن بعد القرار الأميركي الأخير الذي ألغى “الوضعية التجارية الخاصة” للمدينة، يرى محللون غربيون أنه لم يعد لديهم خيار سوى التحايل على الإجراءات النقدية الصينية، أو خسارة جزء من ثروتهم في حال تراجُع سعر صرف اليوان إذا ما حدث حظر مصرفي دولاري.
وبالتالي سيعاني مليارديرات الصين من أزمة حقيقية. وتقدّر بيانات معهد ” أكس ويلث”، ومقره في شنغهاي، ويرصد الثروة في الصين، عدد المليارديرات في الصين بنحو 324 مليارديراً من بين عدد المليارديرات في آسيا البالغ عددهم 758 مليارديراً، وتقدر ثروتهم بنحو 2.4 تريليون دولار.
يذكر أن الصين شهدت أكبر زيادة في عدد المليارديرات خلال العام الماضي مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا، إذ ارتفع عدد المليارديرات في الصين بنسبة 12%، حسب تقرير “أكس ويلث”. وتُعد هونغ كونغ التي تشهد أكبر الاضطرابات السياسية من بين أكثر المراكز المالية تركيزاً في عدد المليارديرات، إذ يوجد فيها نحو 96 مليارديراً، تليها مومباي ثم طوكيو.
وحتى الآن رفعت الصين حجم احتياطاتها من الذهب، وكثفت من عمليات المقايضة التجارية مع العديد من شركاء التجارة وأطلقت خلال العام الجاري “اليوان الرقمي”، وهي خطوات تصب جميعها في نطاق الإعداد لاحتمال حظر الدولار وتدويل اليوان وفرضه على شركاء التجارة كبديل للدولار في تسوية الصفقات. وفي خطوة أخرى لتعزيز الاستثمار في الصين، قال بنك الشعب الصيني (المصرف المركزي) أمس الأحد، إنه سيربط بين سوق “السندات بين البنوك” و”بورصة السندات” في خطوة تهدف إلى توحيد أسواق أدوات الدين وتسهيل سريان السياسة النقدية وإدارة الاقتصاد الكلي. وحسب وكالة رويترز، أورد البنك المركزي في بيان أنه سيسمح للمستثمرين المؤهلين بشراء السندات وبيعها بصرف النظر عن سوق تداولها عن طريق بنية “الربط” التحتية. وسوق تداول “السندات بين البنوك” تأسست في 1997، وتخضع لرقابة البنك المركزي، وتهيمن عليها البنوك، وهي أكبر بكثير من بورصة السندات من حيث حجم الإصدار والتداول.
المصدر: العربي الجديد