سباق القيمين على القطاع السياحي يساهم بشكل أو بآخر بتجميل الصورة السوداوية التي رسمتها السياسة. وهي محاولات مغفورة، وإن شابت تصريحاتهم بعض المبالغات في كثير من الأحيان. ولكن ما لا يُغتفر هو “مهرجان” الأرقام السياحية “غير الواقعية”، التي تتداولها العديد من وسائل الإعلام وجيوش المواقع والحسابات الإلكترونية. تلك الأرقام التي لا تعكس الواقع على الإطلاق، تشوه ما تحقق خلال العام 2019 على مستوى القطاعات السياحية، وتزيّف الحقائق، وتوهم القارئ بغير الحقيقة، وتعكس حتماً نظرية التعامل مع الأرقام كوجهة نظر لا كواقع.
بين الوافد والسائح
تداول كثر منذ أيام خبر “هبوط 15 ألف سائح في لبنان يومياً”. هلّلوا للرقم، وتعاملوا معه وكأن السياح العرب والأجانب “ينغلون” في البلد. لا شك أن الجميع يتمنى بلوغ هذا الرقم كل يوم، لا بل كل ساعة. ولكن لا أرقام رسمية ولا أي مؤشرات لدخول لبنان 15 ألف سائح يومياً. بل تشير الأرقام إلى تجاوز أعداد الوافدين إلى مطار رفيق الحريري الدولي (بيروت) 17 ألفاً يومياً خلال شهر تموز، وارتفاع العدد إلى أكثر من 20 ألفاً في بعض الأيام، إلا أن الوافد ليس بالضرورة أن يكون سائحاً، والوافدون الـ17 ألف، غالبيتهم من اللبنانيين، منهم العائد من السياحة في الخارج، ومنهم من يمر عبر المطار بطريقة منتظمة بحكم عمله، ومنهم من المغتربين اللبنانيين، ومنهم من السوريين الذين يستخدمون مطار بيروت ذهاباً وإياباً.
وحسب مصدر موثوق لـ”المدن”، فإن 40 في المئة من ركاب المطار هم من الجنسية السورية، وأكثر من 40 في المئة منهم لبنانيين، والباقي أي ما يقل عن 20 في المئة يتوزع على الجنسيات العراقية بالدرجة الأولى ثم الأردنية وغيرها..
وبالمقارنة بين أرقام الركاب (الوافدين والمغادرين والترانزيت) عبر مطار بيروت خلال شهر تموز من العامين 2018 و2019، لا يبدو التطور كبيراً. إذ أنه في أحسن الأحوال يقارب 3 في المئة، وحسب أرقام المطار الإحصائية، يبلغ عدد الركاب من مطلع شهر تموز 2019 ولغاية 30 منه 1027789 راكباً (منهم 557562 وافداً و468047 مغادراً و2180 ترانزيت) متوقعاً أن ترتفع الحركة خلال شهر آب بشكل كبير لاسيما مع بدء موسم الحج.
واقع الأرقام
استناداً إلى أرقام المطار، وإذا أضفنا يوم واحد إلى حصيلة شهر تموز بمعدل تقريبي (مرتفع) 37 ألف راكب ينتهي شهر تموز بنحو 1064789 (مليون و64 ألف راكباً). وهنا لا بد من ملاحظة أن أرقام نمو حركة الركاب خلال شهر تموز من 2019 لم تختلف بشكل كبير عن أرقام العام الماضي خلال الشهر نفسه، ففي تموز 2018 سجّلت حركة الركاب في المطار 1022467 راكباً (مليون و22 ألف) موزعة بين 564453 وافداً و457465 مغادراً و549 ترانزيت، أي بارتفاع نحو 3.9 في المئة فقط.
هذه الأرقام تنفي، بما لا يترك مجالاً للشك، الإدعاءات باستقطاب أعداد هائلة من السياح هذا العام، وإن كان النشاط السياحي الذي يعتمد غالباً على سياحة اللبنانيين المغتربين أفضل مما كان عليه العام الفائت. وحسب نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة في لبنان، جان عبود، في حديث إلى “المدن”، فإن الحركة السياحية هذا العام إيجابية، وتفوق ما كانت عليه العام السابق من دون شك. لكنها تبقى “دون التوقعات”، “إذ كانت الآمال كبيرة بوفود أعداد أكبر من السياح الخليجيين، لاسيما الإماراتيين. وهو ما لم يحصل، باستثناء السياح السعوديين الذين سجلوا أعداداً مقبولة بارتفاع كبير عن الأعوام السابقة”.
ورغم تحقيق نمو على مستوى السياح يقارب 12 في المئة خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2019، بالمقارنة مع العام 2018، يبقى الاعتماد الأكبر، وفق عبّود، على المغتربين اللبنانيين، الذين يشكّلون السواد الأعظم من الإنفاق السياحي في لبنان منذ عدة سنوات وحتى اليوم.
إنفاق المغتربين لا السياح
ارتفاع أعداد السياح في النصف الأول من العام، والتوقعات بتحسنها بنسبة 12 في المئة، وإن كانت تشكّل بادرة أمل للقطاع السياحي، إلا أنها تبقى دون الآمال، وبعيدة كل البعد عن حسابات القطاع السياحي الذي يعوّل على حجم الإنفاق أكثر من تعويله على عدد السياح.
ولا ينكر القيمون على القطاع السياحي واقع أن ارتفاع أعداد السياح غير الخليجيين لن يغيّر كثيراً في نمو القطاع ومداخيله. فالسائح الخليجي، حسب نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية والأمين العام لاتحاد المؤسسات السياحية، جان بيروتي، هو الأكثر إنفاقاً على الإطلاق بين السياح. كما أن مدى إقامته طويلة. وإذا استثنينا الخليجي، يتصدّر المغترب اللبناني حجم الإنفاق السياحي في لبنان، ويليه العراقي.
وعلى الرغم من تسجيل إشغال الفنادق نسباً عالية جداً، يبقى الإنفاق منخفضاً لعدم إقبال السياح الخليجيين كما كان متوقعاً. والأمر نفسه يسري على غالبية القطاعات المرتبطة بالسياحة، كقطاع المطاعم والملاهي وقطاع تأجير السيارات، الذي يسجل تحسناً على مستوى السيارات الصغيرة والاقتصادية. أما لجهة السيارات الفخمة فسوقها لا يزال راكداً.
ويتفق بيروتي وعبّود على أن ما تحقق حتى اليوم على مستوى السياحة، بما فيها أعداد السياح، يفوق ما تم تحقيقه العام الماضي، مع توقعات بزيادة مستوى التحسن خلال شهر آب، لاسيما مع ارتفاع نسب الحجوزات خلال فترة عيد الأضحى.