رغم الانهيار الذي أمعن في ضرب أسس الاقتصاد اللبناني منذ العام 2019، إلا أن القطاع الصناعي تمكن من الخروج من تأثيرات الأزمة بأقل التكاليف. ولاتزال الصناعات الغذائية والتجميلية، بالإضافة إلى المجوهرات والمنسوجات، تحتل جزءاً مهما ًمن الصادرات الصناعية إلى الخارج.
صمود محدود؟
الحديث عن صمود القطاع الصناعي اللبناني لا يعني ان الأخير حقق مكاسب مرتفعة كالتي كانت تسجل قبل الأزمة الاقتصادية، ولا يعني أيضاً أن القطاع لم يتكبد خسائر وإن كانت على المستوى التشغيلي والتطويري.
بالأرقام، انخفض عدد المنتسبين إلى غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان من أكثر من 15000 مؤسسة إلى نحو 9000، أي خرجت نحو 6000 مؤسسة صناعية من السوق اللبناني، وهو ما انعكس على الصناعيين والعاملين في المجال. تراجعت أعداد اليد العاملة بعدما قرر الكثير من الصناعيين مغادرة لبنان إلى الخارج. كما انعكست أزمة المصارف على قدرة الصناعيين المالية لشراء المواد الأولية، لكنها في المقابل فتحت أمامهم فرصة اعتماد أسلوب جديد في الاقتصاد قائم على أساس “اقتصاد الكاش” وهو ما كانت نقطة تحول في قدرة الصناعيين على مواجهة التحديات.
يكشف نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ “المدن” إلى أن أرقام الصادرات اللبنانية شهدت تحسناً في الأشهر الأولى من العام الحالي، ووصلت قيمة الصادرات إلى ما يقارب من 325 مليون دولار، وتنوعت الوجهات الدولية ، إذ استقطبت القارة الأوروبية نصيباً وافراً، تبعتها الدول الإفريقية، وقد وصلت قيمة البضائع المصدرة إلى أوروبا إلى نحو 475 مليون دولار، بحسب الجمارك اللبنانية، لكن بعض الأرقام تشير إلى وصولها لنحو 600 مليون دولار.
وبحسب بكداش، فإن صمود الصناعة اللبنانية على الرغم من التحديات سواء الانهيار الاقتصادي، وأزمة المصارف، وتبعتها أزمة كورونا وسلاسل التوريد، جاء نتيجة انخفاض قيمة المواد الأولية، وتحديدا ًالمواد المنتجة والمصنعة محلياً، وهو ما دفع بالصناعة اللبنانية للتنافس مع العديد من الدول.
تحويل الأزمة إلى فرصة
صحيح أن الصورة العامة للصناعات اللبنانية وبحسب بكداش تبدو وردية إلى حد ما، لكن الصورة ما هي إلا انعكاس لتحويل الصناعيين الأزمة إلى فرصة. فعلى سبيل المثال، تسببت تكلفة الطاقة المرتفعة وسط نقص كبير في المازوت وتهريبه، إلى إقفال مؤسسات عديدة، لكن في المقابل، ساهمت الأزمة في اللجوء إلى الطاقة البديلة، وخفض الأسعار حتى يتمكن الصناعي من المنافسة خارجياً.
تعد تكلفة الطاقة مرتفعة جداً، بالنسبة إلى الصناعيين، في ظل غياب أي دعم من الدولة اللبنانية، وتتباين تكلفة الطاقة حسب المجال الصناعي.
يشرح الخبير الصناعي ورئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل إلى أن تكلفة الطاقة ارتفعت من 3.7 في المئة قبل الأزمة إلى نحو 10 في المئة من كلفة البضائع المبيعة، إلا أن هذا الارتفاع كانت تأثيراته متباينة، بالنسبة للمصانع المتخصصة بالبلاستيك، أو الورق وما شابه، زادت التكلفة بشكل كبير، لأن هذه الصناعات تعتمد بنسبة تصل إلى 70 في المئة على الطاقة، في المقابل، فإن صناعات أخرى، لم تتأثر بأزمة الطاقة، خاصة الصناعات الغذائية.
الدعم الداخلي
لا يمكن اغفال الدعم الداخلي للصناعات اللبنانية. فالأزمة الاقتصادية وفرض تسعيرة البضائع المستوردة بالدولار، جعلت من الصعب على اللبنانيين شراء المنتجات المستوردة، وبالتالي برزت الصناعات الرديفة كحل أساسي لتعويض غياب القدرة الشرائية للسلع المستوردة. ركّز العديد من الصناعيين، بشكل أساسي على دعم السوق بالسلع الغذائية، وظهرت علامات تجارية موازية للعلامات التجارية المعروفة عالمياً، على غرار المعكرونة، الصلصة، السكاكر، المنتجات الصحية الأساسية، ومواد التنظيف، بالإضافة إلى الأدوية والمستحضرات التجميلية.
مستقبل واعد
يعتقد بكداش، أن مستقبل الصناعة اللبنانية واعد، خصوصاً المنتجات الغذائية، التي تلعب دوراً محورياً في دعم القطاع الصناعي. ويشير إلى أنه من المتوقع أن يبدأ لبنان في الفترة القادمة بتصدير العسل إلى الدول الأوروبية، خاصة بعد انتعاش هذه الصناعة في المناطق الريفية اللبنانية. ولفت إلى أن هناك محادثات مع الاتحاد الأوروبي لاستيراد العسل.
وإضافة إلى الصناعات الغذائية، تحتل صناعة المجوهرات وصناعة الألبسة مكانة متقدمة في القطاع الصناعي وازدياد نسبة التصدير إلى الخارج. وهي صناعات قابلة للازدهار وتوسيع اسواقها الخارجية مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات إيجابية على العائدات بالعملة الأجنبية من هذا القطاع المنتج.