رغم المنافسة الشرسة التي يفرضها الاقتصاد غير الشرعي الذي يمثل بين 50 و60% من اجمالي الناتج المحلي، فان الصناعة اللبنانية صامدة واستطاعت الحفاظ على حجم صادراتها الذي كان من المفترض ان ينمو اكثر لولا العوامل المعرقلة، وبينها المؤسسات غير الشرعية التي لا تخضع للرسوم الجمركية والضرائب، ثانيها حظر الصادرات من لبنان الى السعودية، وثالثها الاستيراد المفرط من دون ضوابط.
يقول صناعيون إن الدولة تفرض رقابتها على كلّ من هو شرعي متجاهلة المؤسسات غير الشرعية التي تحدّ من ازدهار الصناعة والتجارة اللبنانية. تعدّل الرسوم الجمركية والضرائب رغم ان من يسددها يشكل 30% فقط من اجمالي المكلفين. تصدر المراسيم والقرارات لزيادة عائداتها الجمركية والضريبية من دون تطبيق اية تدابير للجم الاقتصاد غير الشرعي الذي يحدّ من عائداتها ويعيق ازدهار المؤسسات الشرعية، ويقلّص حجم اعمالها وبالتالي حجم الاموال الشرعية المتأتية عن عمليات التصدير الى الخارج والتي يحتاجها لبنان بشدّة لمعالجة عجزه في ميزان المدفوعات.
أرقام الصادرات
وفي مقارنة لأرقام الصادرات الصناعية منذ بدء الازمة يتبيّن وفقاً لبيانات جمعية الصناعيين ان حجم الصادرات بلغ في العام 2019، 3 مليارات و731 مليون دولار. وقد تراجع بنسبة 5 في المئة في 2020 الى 3 مليارات و544 مليوناً، ونما بنسبة 9,65 في المئة في 2021 الى 3 مليارات و886 مليون دولار، ليعود ويتراجع بنسبة 10,16 في المئة في 2022 الى 3 مليارات و491 مليوناً اي الى اقلّ من مستويات العام 2019 بعد حظر التصدير الى السعودية.
خسرنا أسواقاً… ولكن
من جهته، أوضح نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش ان الصادرات الصناعية في العامين 2022 و2023 حافظت على مستوياتها التي حققتها في 2019، علماً انها خسرت اسواقاً كثيرة في العامين الماضيين أوّلها السوق السعودي الذي كان يشكل حوالى 250 مليون دولار سنوياً والسوق البحريني والكويتي، بالاضافة حالياً الى السوق الاماراتي الذي أوقف أيضاً منح التأشيرات لفترة معينة، والسوق المصري نتيجة القيود الصارمة على التحويلات من مصر.
وأشار لـ»نداء الوطن» الى ان الصادرات الصناعية استطاعت تعويض خسارة تلك الاسواق نتيجة تدني الكلفة التشغيلية في لبنان في العام 2020، 2021 و2022 بنسبة 50 في المئة مما سمح للصناعات اللبنانية بالمنافسة اكثر في الاسواق العالمية التي تتعامل معها.
إختلاف أرقام الصادرات
لكنّ بكداش كشف عن وجود اختلاف في ارقام الصادرات اللبنانية بين جهات عدّة، مما يشير الى وجود عمليات غش او لغط في الارقام، حيث انه وفقاً لبيانات المديرية العامة للجمارك فان حجم الصادرات الى اوروبا على سبيل المثال، بلغ 450 مليون دولار في 2022، في حين ان بيانات الامم المتحدة تشير الى انه يبلغ 520 مليون دولار، بينما أفاد مدير عام وزارة الاقتصاد من بروكسل ان حجم الصادرات الى اوروبا يبلغ 600 مليون دولار. مستغرباً ان يكون هناك تلاعب في قيمة الفواتير عبر خفضها رغم انه لا توجد رسوم جمركية بين لبنان وأوروبا. كما أشار الى ان الصناعيين يلمسون دائماً خلال لقاءاتهم مع الملحقين التجاريين الاجانب لدى السفارات في لبنان اختلافاً في ارقام التصدير والاستيراد، «مما يؤكد على وجود قطبة مخفية نجهلها، وعلى ان ارقام الصادرات اللبنانية غير صحيحة وهي اكبر من الارقام المسجلة».
السوق السعودي
أما بالنسبة لإمكانية عودة التصدير الى السعودية، أسف بكداش لعدم وجود بوادر ايجابية لغاية اليوم باستثناء الحديث فقط عن عودة التصدير. وقال: رغم مرور عامين على قضية الكبتاغون، لم تتحرك الدولة اللبنانية نحو حلّ هذه المشكلة، علماً اننا حذرنا مراراً من ان الصادرات اللبنانية قد تخسر مكانتها في الاسواق الخليجية في حال اجتاحت المنتجات التركية تلك الاسواق، وهو الامر الذي بدأ بالفعل.
أضاف: حتّى لو تمّ فتح السوق السعودي امام الصادرات اللبنانية غداً، فقد اصبح من الصعب تحقيق ارقام الصادرات التي اعتدنا عليها سابقاً، نتيجة انقطاع السلع اللبنانية لمدة طويلة عن السوق السعودي واستبدالها بمنتجات تركية منافسة.
تأثير المؤسسات غير الشرعية
ومن ناحية التأثير السلبي لنمو الاقتصاد غير الشرعي على الصناعات اللبنانية وتعديل سعر الرسوم والضرائب، أكد بكداش ان الصناعيين يؤيدون احتساب الرسوم والضرائب وفقاً لسعر الصرف الحقيقي شرط فرض رقابة مشددة على التهرّب والتهريب وعلى المؤسسات غير الشرعية التي تخطى حجمها الـ60 في المئة من حجم الاقتصاد. لافتاً الى ان احتساب الضريبة على القيمة المضافة على سعر صرف صيرفة أدّى الى إلغاء كميات كبيرة من طلبيات الصناعيين نتجية المنافسة التي تشكلها المؤسسات غير الشرعية والتي اصبحت اسعار منتجاتها اقلّ بنسبة 11 في المئة، بسبب عدم تقاضيها الضريبة على القيمة المضافة من العملاء.
وسأل بكداش في الختام: هل من المفترض ان نتحوّل الى مؤسسات غير شرعية كي نتمكن من المنافسة أم علينا اقفال مؤسساتنا؟ إنهما حلّان لا ثالث لهما.
محمد أبو حيدر
في هذا الاطار، لفت مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة محمد أبو حيدر الى تراجع التصدير الى السعودية وتأثيره على حجم الميزان التجاري بين البلدين، لافتاً الى ان الاستيراد من السعودية الى لبنان ارتفع وفقاً لارقام المديرية العامة للجمارك، من 172 مليوناً و 940 ألف دولار في 2021 الى 309 ملايين و 984 ألف دولار في 2022، في مقابل تراجع التصدير من لبنان الى السعودية من 217 مليوناً و710 آلاف دولار في 2020 الى 123 مليوناً و899 ألف دولار في 2021 والى 273 ألف دولار فقط في 2022. وبالتالي كان لبنان قد حقق في العام 2020 فائضاً في الميزان التجاري مع السعودية بقيمة 35 مليوناً و112 ألف دولار، ليتحوّل الى عجز في 2021 بقيمة 49 مليوناً و41 ألف دولار والى عجز بقيمة 309 ملايين و711 ألف دولار في 2022.
وشدد أبو حيدر على أهمية استعادة السوق السعودي خصوصاً بالنسبة للصناعات الغذائية والخضار والفواكه، كما شدد على ضرورة استعادة العلاقات اللبنانية – السعودية التي تميزت منذ تأسيسها بالعمق والمتانة والتواصل الدائم والتبادل التجاري بين البلدين بما يعود بالنفع على كليهما وعلى شعبيهما، ما يعكس ايجابية على العلاقات المؤسساتية والاقتصادية منها بشكل خاص.
وقال أبو حيدر: حافظت السعودية ولبنان تاريخياً على علاقات تجارية جيدة، حيث تعد المملكة العربية السعودية أحد الشركاء التجاريين المهمين للبنان في الشرق الأوسط، وقد شملت التجارة الثنائية بين البلدين قطاعات مختلفة مثل الزراعة والصناعة والخدمات. بالإضافة إلى ذلك، كانت السعودية تعدّ وجهة رئيسية للصادرات اللبنانية، وخاصة المنتجات الزراعية والمنسوجات والمجوهرات.
أضاف: علاوة على ذلك، قدمت المملكة العربية السعودية دعماً مالياً واستثمارات في الاقتصاد اللبناني على مرّ السنين، بحيث شارك المستثمرون السعوديون في قطاعات مختلفة مثل العقارات والبنوك والسياحة والخدمات، وقد ساهمت استثماراتهم في التنمية الاقتصادية في لبنان ما انعكس ايجاباً على خلق فرص عمل.