أرقام الفقر كاسحة: كبار الموظفين عاجزون عن تأمين احتياجاتهم

ارتفاع تضخم الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لم يُطيحا برواتب الحد الأدنى للأجور وذوي المداخيل المتدنية وحسب، بل رواتب الموظفين متوسطي المداخيل وكافة الفئات الوظيفية، وحتى الفئات الوظيفية المتقدّمة أيضاً باتت رواتبها عاجزة عن تأمين المتطلبات المعيشية لعائلة من 3 أو 4 أفراد فقط.

وليس المواطن أ.م. وهو مؤهل بالجيش اللبناني سوى نموذج عن العائلات اللبنانية التي انحدرت خلال أقل من عامين من الطبقة المتوسطة إلى مصاف الفقراء. بات أ.م. وزوجته، وهما والدان لطفلين، عاجزين عن تأمين معيشة عائلتهما الصغيرة على مدار الشهر، بعد أن كانا “مرتاحين مادياً” على حد تعبيره. فمداخيل أ.م. وزوجته التي تعمل في القطاع العام كانت تفوق في وقت سابق، أي قبل انفجار الأزمة، 3300 دولار، أي نحو 5 ملايين ليرة. أما اليوم باتت مداخيلهم تساوي 250 دولاراً فقط، مع بلوغ سعر صرف الدولار 20000 ليرة.

وحسب مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية، فإنّ كلفة الغذاء بالحد الأدنى لأسرة مكوّنة من 5 أفراد أصبحت تقدر شهرياً بأكثر من 3500000 ليرة لبنانيّة، من دون احتساب كلفة المياه والغاز والكهرباء، وهي بدورها في ارتفاع باهظ. هذه النتيجة تأخذنا إلى واقع أكثر إيلاماً مما عرضه مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية، وذلك في حال احتسبنا تكلفة الكهرباء والمياه والغاز والمازوت في المناطق الجبلية الذي يتم تخزينه حالياً تحضيراً لمواسم البرد والصقيع.

وإذا ما أضفنا تكلفة الكهرباء والمياه والغاز والمازوت لاحقاً، والبنزين حالياً، إلى كلفة الغذاء المقدّرة بنحو 3500000 ليرة تصبح الأسر اللبنانية عاجزة تماماً عن تأمين معيشتها، فاشتراك مولد الكهرباء سعة 5 أمبير يتراوح بين 700 ألف ليرة ومليون و200 ألف ليرة، في حين أنه لا يمكن الاستغناء عن اشتراك المولّد، نظراً إلى غياب التغذية الكهربائية الرسمية على مدار 21 ساعة يومياً.

ويضيف أ.م. إلى فاتورة معيشة عائلته، وفاتورة المولد الكهربائي البالغة 800000 ليرة، تكلفة المياه خصوصاً في فصل الصيف، فالصهريج سعة 1000 ليتر يغطي حاجة عائلته للمياه على مدار 4 أيام فقط، في حين تبلغ تكلفة كل صهريج 100 ألف ليرة. ما يعني أن تكلفة المياه صيفاً في الكثير من المناطق تتراوح بين 700 و800 ألف ليرة شهرياً، علماً ان تكلفة صهريج المياه تصل في بعض مناطق البقاع إلى 150000 ليرة.

أما أسعار البنزين والمازوت فكارثية. إذ لا يكتفي أصحاب محطات المحروقات في المناطق خارج بيروت ببيع المحروقات بأسعارها الرسمية، التي ارتفعت أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة، بل أنهم يبيعون صفيحة البنزين والمازوت بأسعار تفوق تلك المحددة رسمياً، ما يجعل غالبية المواطنين عاجزين عن تأمين المازوت للتدفئة في الشتاء، ويجهدون لتأمين البنزين للوصول إلى مراكز عملهم. ويبلغ سعر صفيحة البنزين في مدينة بعلبك على سبيل المثال 165000 ليرة، وفي عدد كبير من قرى البقاع تتراوح بين 100 ألف ليرة و125 ألف ليرة، في حين أن سعرها الرسمي نحو 78 ألف ليرة. وقلة هي المحطات التي تلتزم بالسعر الرسمي للمحروقات. أما المازوت فشبه مفقود من المناطق. وفي حال توفره، فلا تباع الصفيحة بأقل من 150000 ليرة، في حين ان سعرها الرسمي نحو 58 ألف ليرة. هذه التكاليف (الكهرباء والمياه والبنزين وغيرها) إذا ما أضيفت إلى تكلفة الغذاء تجعل من الغالبية الساحقة من موظفي القطاعين العام والخاص فقراء عاجزين عن تأمين حاجاتهم الأساسية.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةتفاصيل اتفاقية استيراد النفط مع العراق
المقالة القادمةأزمة الدواء مفتعلة: التجار يرفضون بيع ما تم استيراده