السياحة هذا العام تغذّي نفسها من أهل البيت، أي من السياحة الداخلية بسبب الاوضاع الامنية وتحذيرات سفارات عدة لرعاياها من المجيء الى لبنان. فكيف هي الحركة في القطاعات؟ وما مدى تأثير النشاط السياحي على الحركة التجارية؟
رغم كل الجهود المبذولة لإنجاح الموسم السياحي 2024 يبدو ان هاجس الوضع الامني كان طاغياً، وكذلك تحذيرات السفارات لرعاياها من المجيء الى لبنان كان لها الوقع الاقوى، فكانت النتائج المحققة في القطاع السياحي غير مرضية لا بل سلبية نِسبةً لما كان متوقعاً». النتيجة هذه أعلن عنها امس رئيس إتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر بحيث كشف أنّ مداخيل المؤسسات المطعمية تراجعت 40% مقارنة مع العام الماضي، أما مداخيل الفنادق فسجلت تراجعاً وصلَ إلى 60%»، ولفت الى أن «هذه الأرقام هي المعدل الوسطي لتشغيل هذين القطاعين في مختلف المناطق اللبنانية، وليس في منطقة محددة، حيث يمكن أن تكون النسبة أقل أو أكبر، بحسب كل منطقة».
وإذ أكد الاشقر ان القطاع السياحي وكذلك الشعب اللبناني وضعا كل إمكانياتهما المتوفرة وقررا تحدّي ظروف الحرب والموت والدمار ونظّما حفلات في كل القرى والمناطق والمؤسسات، الا انه ولغاية الآن النتائج المحققة في القطاع السياحي غير مرضية و»الحركة الإيجابية التي يشهدها مطار بيروت الدولي لم تترجم في القطاع السياحي».
وأشار الى أن «زبائن المطاعم اليوم هم من اللبنانيين الذين يمارسون السياحة الداخلية وبعض العراقيين الذين يأتون بأعداد أكثر من غيرهم، لا سيما بعدما انخفضت نسبة مجيء الأردنيين إلى لبنان بسبب التحذيرات الموجّهة من حكومتهم بعدم المجيء الى لبنان، وكذلك المصريين بسبب الكابيتال كونترول في بلادهم، عَدا عن أنّ كل بلاد الغرب نصحت رعاياها بعدم المجيء الى لبنان».
تصريح الاشقر رسمَ الصورة السياحية في لبنان لموسم صيف 2024، لكن ماذا عن الحركة التجارية في المناطق، ومدى تأثرها بالسياحة والمهرجانات الفنية، واي قطاعات تجارية كانت الأنشط؟
نبدأ من البترون التي تعد أكثر المناطق السياحية اقبالاً صيفاً وشتاء، فيقول رئيس جمعية تجار البترون جيلبير سابا لـ»الجمهورية» ان السياحة هي جزء من الاقتصاد بحيث لا يمكن الفصل بينهما، والحركة التجارية تتأثر وترتبط ارتباطا مباشرا بالحركة السياحية فتنشط معها أو تتراجع. وقال: لا شك ان الاوضاع في البلاد أثّرت كثيرا في الحركة السياحية لا سيما حركة المغتربين الذين غابوا عن المشهد السياحي بشكل عام هذه السنة، لكن لا تزال البترون مقصدا سياحيا رغم تراجع الحركة فيها مقارنة مع السنوات السابقة.
وعن مدى مساهمة المهرجانات بالحركة التجارية في المدينة، يقول سابا: ان اي نشاط تشهده المنطقة يكون له تأثير على الحركة، ومنها المهرجانات. والملاحظ ان كل مهرجان او حفلة فنية تؤثر على قطاعات معينة وذلك بحسب الفئة العمرية التي يستهدفها المهرجان. على سبيل المثال، حفلة كاظم الساهر تستهدف فئة عمرية معينة تساهم في تنشيط حركة المطاعم بعد انتهائها، امّا المهرجانات الشبابية فتخلق حركة ناشطة في الملاهي الليلية، البارات، الكيوسكات… التي يقصدونها بعد انتهاء الحفل. انطلاقاً من ذلك، يرى سابا انّ التنوع الحاصل في البترون من مطاعم ومَلاه ليلية وشواطئ ومنتجعات سياحية وكيوسكات ونشاطات رياضية متنوعة وفنادق وبيوت ضيافة يجعل المنطقة مقصداً طوال العام.
ورداً على سؤال، كشف سابا ان السياحة الاكثر رواجاً هذا العام في البترون، والتي تعتمد بشكل رئيسي على السياحة الداخلية، هي محلات بيع الليموناضة والسناكات والكيوسكات والنشاطات الرياضية مثل البارابانت، الالواح الشراعية (planche a voile) وغيرها، بحيث تشهد اقبالا كبيرا على عكس العام الماضي حيث ساهمَ إقبال السياح والمغتربين برفع الطلب على بيوت الضيافة والفنادق والمطاعم، التي سجلت تراجعاً هذا العام بنسبة 20%.
الحركة في جونية
أمّا في جونية، التي تشهد مهرجانات «بنص جونية» والتي جرى تنظيمها بالشراكة بين بلدية جونيه وجمعية تجار جونيه، فلقد أعطت دفعاً إيجابياً كبيراً للأسواق ولمختلف المؤسسات فيها. وفي السياق، يقول رئيس جمعية تجار جونيه وكسروان الفتوح سامي عيراني لـ»الجمهورية» ان حركة بيع التجزئة سجّلت حتى النصف الأول من موسم الصيف الحالي انخفاضاً في المبيعات بنحو الثلث مقارنة مع أعمال صيف 2023، وذلك لأسباب عدة أبرزها تراجع توافد المغتربين والسياح العرب والاجانب لهذا العام اضافة الى القلق من تطور الاحداث الامنية بسبب الحرب الدائرة في الجنوب والتخوّف من امتدادها ومن التصعيد، ما أدى الى تكبيل الموسم الحالي.
وعن الحركة في اسواق جونية، قال عيراني: انّ أكثر ما يهمّ اللبناني اليوم «الاكل» و»الشرب» و»البسط»، لذا نلاحظ ان هذه القطاعات هي الاكثر طلبا ونشاطاً. وتابع: ان اسواق جونية تعيش كغيرها من مختلف الاسواق اللبنانية حالة من الانكماش، لذا نسعى كجمعية تجار دوماً الى خلق حوافز للحَثّ على التسوق، وأتى مهرجان «بنص جونيه» لهذا الغرض، وقد لحظَ اقبالاً وتجاوباً من قبل المتسوّقين الذين قصدوا جونية من مختلف المناطق ومختلف الفئات العمرية ما خلقَ حركة تجارية ناشطة أعادت الحياة الى المدينة.
ماذا عن بيروت؟
تتشارك الاشرفية مع غيرها من المناطق التراجع المُحقّق في الحركة التجارية نتيجة غياب المغتربين والسياح، ويُضافُ إليها عامل الحَر الذي يُبعد اللبنانيين عن العاصمة في مثل هذا الوقت من العام. وفي السياق، يقول رئيس جمعية تجار الاشرفية انطوان عيد لـ«الجمهورية» انه سجّل خلال شهري ايار وحزيران حركة تجارية لا بأس بها ولاحظنا وجود مغتربين لبنانيين في تلك الفترة وبعض السياح، الّا انه اعتباراً من مطلع شهر تموز شهدت الحركة التجارية في الاشرفية تراجعا لافتا باستثناء الحركة المطعمية التي حافظت على استقرارها.
واستبعَد عيد ان تكون اجواء الحرب هي التي أثّرت في الحركة لأننا في الاوضاع نفسها منذ أكثر من 10 اشهر، لافتاً الى ان التراجع طاولَ حتى المراكز التجارية. واشار عيد الى ان الحركة التجارية تتراجع عادة في مثل هذه الفترة من العام في بيروت نتيجة الحر وانتقال غالبية قاطني المنطقة الى الجبال، لكنّ حركة المغتربين والسياح كانت تُعوّض هذا النقص الأمر الذي لم يحصل هذا العام نتيجة غيابهم.
ورداً على سؤال، لفت عيد الى انّ المهرجانات او النشاطات المحفّزة على التسوق تغيب عن العاصمة في مثل هذه الفترة من العام، لأنّ الحر يطغى والناس سيفضّلون المشاركة في نشاطات مناطقية أكثر برودة.