بعدما أضاعت الطبقة السياسية فرصة تجنيب البلاد المزيد من الانهيار من خلال إفشال المبادرة الفرنسية بنسختها الأولى، ماذا سيكون تأثير هذا الفشل على الاقتصاد المترنّح؟ وهل لا تزال فرص الإنقاذ متوفرة؟
أما وقد وضع ملف التشكيل الحكومي في الثلاجة، ووقفت الطبقة السياسية موقف المتفرج حيال الأزمة المالية الحادة التي يمر بها لبنان مع يقينها الكامل بأنّ لبنان يسير نحو جهنم حيث الانهيار الكبير، ها هي لا تزال بعيدة كل البعد عن المعالجات المطلوبة. فهل تملك ترف الوقت لبقائها في حال المراوحة هذه؟ وما الثمن الذي سندفعه نتيجة تأخر وصول الدعم المالي؟
يقول الوزير السابق عادل افيوني: مرّة أخرى تضيّع الاحزاب الحاكمة فرصة مصيريّة لتجنّب مزيد من الانهيار، وتغلّب المصالح السياسية الضيّقة على الاولوية الوطنية وعلى حاجات البلد والشعب الاساسية.
منذ سنة والبلد ينزف مالياً واقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، وأولويتنا كانت ولا تزال الحصول على دعم مادي خارجي سريع لوقف النزيف وتأمين المواد الاساسية وتوفير شبكة حماية اجتماعية ووقف تدهور العملة. وأكد انّ «هذا الدعم المادي الخارجي مطلوب أمس قبل اليوم، والمرجع الوحيد القادر على تأمينه هو صندوق النقد. والمبادرة الفرنسية وضعت خارطة طريق واضحة للوصول الى هذا الدعم سريعاً، وكان علينا تلقفها في أسرع وقت. لكن للأسف ضربت المصالح السياسية والحسابات الحزبية بهذه الفرصة عرض الحائط، وعُدنا اليوم الى نقطة الصفر مجدداً.
وردا على سؤال لـ«الجمهورية» قال أفيوني: في غياب الدعم المادي الخارجي السريع وبرنامج صندوق النقد سيستمر النزيف في الاحتياطي والشح في العملات، ونتيجة ذلك سنشهد ارتفاعاً في الطلب على الدولار ومزيداً من التدهور في العملة وتضخّماً قاتلاً وأزمة معيشية خطيرة.
أضاف: لقد شهد الوضع الاقتصادي والمالي مزيداً من التدهور منذ إعداد الحكومة السابقة خطة الإنقاذ المالي في نيسان، وانخفض الاحتياطي في البنك المركزي بمعدل سريع وتفاقم حجم الخسائر في القطاع المالي. وبالتالي، انّ حاجاتنا الى الدعم التي قدّرتها الخطة بـ10 مليارات دولار ازدادت منذ وضع هذه الخطة في نيسان. أضف الى ذلك، كارثة انفجار بيروت التي أدّت الى خسائر جسيمة اضافية تقدر بـ5 مليارات دولار على الاقل، وهذه بدورها تشكّل حاجات اضافية للدعم الخارجي.
الدعم الخارجي… ومعادلة جديدة
قدّر أفيوني حاجة لبنان الى الدعم الخارجي في السنوات الخمس القادمة بأنها تفوق الـ30 مليار دولار. ويمكن تقسيمها بين دعم الوضع المالي والنقدي وتحفيز الاقتصاد وتأمين شبكة أمان اجتماعية وتعويض خسائر كارثة بيروت… ولا شك انّ جزءاً كبيراً من هذه الاموال يجب تأمينه سريعاً وفي السنة الاولى.
وقال: انّ المعادلة واضحة برأيي: لا خلاص بدون دعم مالي خارجي، ولا دعم مالياً خارجياً بدون اتفاق مع صندوق النقد، ولا اتفاق مع صندوق النقد بدون خطة مالية واصلاحية واضحة، ولا خطة مالية وإصلاحية واضحة بدون حكومة من الكفاءات والاختصاصيين تضع الخطة وتنفذها.
هذا كان أملنا من المبادرة الفرنسية ولكنها أجهضت للأسف، والثمن يدفعه الشعب اللبناني انهياراً مالياً ونقدياً واقتصادياً ومعيشياً موجعاً لا حدود له، والمواطن لم يعد يحتمل هذا الوجع بينما الاحزاب الحاكمة غارقة في المحاصصة.
ماذا عن مصير الخطة الاقتصادية؟
يقول افيوني: انّ الاحداث التي مر بها لبنان منذ نيسان الى اليوم تستدعي تحديث الخطة الاقتصادية لأنّ الوضع استمر بالتدهور منذ إعدادها، والخسائر المالية تفاقمت بسبب انخفاض قيمة العملة وانخفاض الاحتياطي وكارثة انفجار مرفأ بيروت. وبناء عليه، عدّد افيوني أبرز التعديلات التي يجب إدخالها على الخطة الانقاذية، ومنها:
– انّ الحاجة الى الدعم المالي الخارجي في السنوات الخمس المقبلة باتت تتعدى اليوم وبحسب تقديري الـ30 مليار دولار.
– الخسائر الاجمالية في القطاع المالي تغيّرت بفعل انخفاض الاحتياطي وتدهور العملة، ويجب اعادة تقييم هذه الخسائر على هذا الاساس.
– من الضروري إعادة النظر في توزيع الخسائر، وعلى الأخص تخفيف العبء عن المودعين وتوضيح آلية تعويض المودعين وإن جزئيّاً، إذ انّ الخطة السابقة تطرقت الى هذا الامر ولكن بطريقة سريعة.
– من الضروري كذلك الوصول الى حل علمي ومنطقي مع المصارف فهي الدائن الاكبر للبنك المركزي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي على أسس سليمة وعادلة، وهي شرط اساسي لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد.