في طلته التلفزيونية الأخيرة أثار وزير المالية عاصفة لم تهدأ حتى تاريخه… وكانت الأرقام التي ذكرها معالي الوزير صادمة ومرعبة… وكلّ من شاهد تلك الحلقة وسمع وشاهد ما سمعه وما شاهده من مسؤول يقف على أعلى قمة الهرم، تساءل: نحن في حلم أم في علم؟؟
الموازنة ستتجسَّد عبر النسب التالية بشكل تقريبي:
35% من الموازنة رواتب ومخصصات وتقاعد.
35% خدمة الدين العام.
11% كهرباء.
حسبة بسيطة تثبت بأنه لن يبقَ للاستثمار في البنية التحتية وتسيير شؤون الدولة وفي مستقبلنا وفي التنمية سوى 19% سيذهب منها 70% سنوياً لخدمة ديون للمصارف اللبنانية بفوائد عالية نتيجة ممارسات الطبقة السياسية بدءاً بسلسلة الرتب والرواتب التي سادتها العشوائية وبدأت على أساس تكلفة 800 مليون دولار فإذا بها تقفز إلى 2400 مليون دولار وزادها تأزماً إضافة ما بين عشرة آلاف وخمسة عشر ألف موظف جديد إلى القطاع العام قبل الانتخابات مباشرة وانخلط الحابل بالنابل في فوضى هستيرية لا حدود لها…
والشيء الذي يصدم الناس أكثر فأكثر أنه حتى تاريخه لم نسمع أحداً من المسؤولين يقول أخطأنا أو أن يعتذر بشكل واضح والقطاع العام أصلاً يشكو من التضخم وبدل ذلك انصبّ الاهتمام على طريقة التقشف لمنع الانهيار…
نظرة بسيطة إلى ما تفضل به معالي الوزير:
الرواتب الخيالية في القطاع العام بعضها أعلى من مرتّب رئيس الجمهورية وفي معظم المؤسسات هناك فائض في التوظيف والمعاشات وهناك مَن يستفيد من الغرامات من 18 مليون إلى 25 مليون ليرة شهرياً سواء من الجمارك أو في مؤسسات أُخرى: هناك من يقبض راتباً إضافياً بين 12 ألف دولار و17 ألف دولار أي أعلى من راتب رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي الذي يبلغ 150000 جنيه إسترليني أما الرواتب مدى الحياة للنواب الكرام حتى ولد الولد فحدث بلا حرج…
أما موظفي الدرجة الأولى فهنا الطامة الكبرى والعفن الذي يطال الأرقام الفلكية وخاصة عندما سمعنا بأن هناك أعضاء في 9 لجان ويقبضون عن كل جلسة في كل لجنة أكثر من راتبه الأساسي وصولاً إلى 50 مليون ليرة شهرياً أي 33000 دولار أميركي أيضاً أعلى من راتب نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية…!!
هذه الإدارة العامة في لبنان تعاني حالة متفاقمة من الفساد بدون أي محاولة إصلاحية على مدى 40 عاماً… ولم تعد المطالبة بمكافحة الفساد محصورة بالداخل بل تعدتها إلى الخارج من خلال (سيدر) والمطالبة الخارجية بالإصلاح الضروري وهو مشين بحق كل من يقول أنا لبناني…
كل يوم فضيحة… كل يوم ملحمة فساد… والمرعب هو معرفة أن 48 مؤسسة في لبنان لها موازنتها الخاصة تتقاضى أموالاً من الخزينة منها ما هو وهمي ومنها من لا يعمل ومنها انتهت مدة صلاحية عملها وما تزال قائمة والحمدلله…! وأقلّه في دولة تحترم نفسها فتح تحقيق بمسح شامل لهذه المؤسسات وتحويلها من مؤسسات ينخرها الفساد والجمود إلى مؤسسات منتجة…
مثل صاعق جاء على لسان معالي وزير المالية:
رئيس لجنة الامتحانات الرسمية يقبض عن مراقبته لمدة خمسة أيام 60 مليون ليرة لبنانية!! يا جماعة نحن نعيش في عصر مرعب بحق وحقيقة… ولن أطيل لأن الحقيقة جارحة والواقع متردي وحتى الانتقاد مللنا منه من كثرة ما ترى خلفك وأمامك وعلى يسارك وعلى يمينك الفساد المستشري!!
أذكر على الهامش وبطريقة سريعة قبل الختام للمؤسسات المتوقفة عن العمل:
1- إدارة البريد والبرق موازنتها 6.8 مليار ليرة لبنانية وهي متوقفة عن النشاط منذ عام 1998 والقطاع ثم تخصيصه برمّته.
2- معرض رشيد كرامي طرابلس موازنته 400 مليون ليرة لبنانية.
3- مصلحة سكة الحديد 13 مليار ليرة لبنانية.
4- مؤسسة “أليسار” 3.4 مليار متوقفة منذ 1997.
5- المشروع الأخضر 2.4 مليار.
6- المؤسسة الوطنية للاستخدام 2.7 مليار.
7- المجلس الأعلى السوري اللبنانية 885 مليون ليرة لبنانية.
أما المجالس الضخمة ذات الأرقام الضخمة والتي لا علاق لديوان المحاسبة بها:
1- مؤسسة كهرباء لبنان ألفان وماية مليار.
2- مجلس الإنماء والإعمار 656 مليار.
3- الهيئة العليا للإغاثة 66 مليار.
4- هيئة إدارة السير 44 مليار.
وإذا جئت إلى مساعدة الجمعيات الأهلية فحدث بلا حرج وإذا جئت إلى الأبنية التي تستأجرها الدولة بأرقام فلكية وتعود إلى جيوب المسؤولين…
والله والله والله نحن في سادوم وعامورة… وهكذا شعب بتاريخه المنير الإبدائي تحولنا إلى جثث تمشي على الأرض لا تشعر لا تتجاوب يعز علينا أن تكون هكذا نهايتنا…
سؤال أخير: معالي وزير المالية، وخذني على قد عقلاتي… عندما ذكرت كل هذه الأرقام هل كنت متفاجئاً؟؟ ولا يحق لك أن تكون متفاجئاً… والحقيقة المجردة هي: “إن هذه الطبقة السياسية قد تعرّت حتى من ورقة التوت أما شعبنا الصابر”.