لذلّ الذي يعيشه الناس لملء خزّانات سياراتهم بالوقود بعشرين ألف ليرة أو ثلاثين ألفاً صار جزءاً روتينياً من يوميات الحياة في لبنان. تخلى الجميع عن المطالبة بحقوقه الاجتماعية والسياسية، لتتحول الأولوية لإيجاد البنزين والمازوت والدواء والطحين والماء والكهرباء. لا طموح بالتغيير ولا بحياة أفضل. المطلوب فقط العيش. وعلى ما يبدو، ربطاً بأداء السلطة وبتعاملها مع الأزمات المتلاحقة، فقد أدركت أن أحداً لن ينتفض في وجهها ليطالب حتى بحياة عادية. لهذا صار يُجاهر البعض بأن الانتخابات المقبلة ستكون «الأرخص».
أزمة البنزين، مرّ عليها أسبوعان قبل أن يخرج مصرف لبنان ببيان أمس يكشف فيه أنه لم يكن يدرك أن في البلد أزمة محروقات خانقة! ولولا «المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام بخصوص أزمة المحروقات وطوابير السيارات أمام المحطات» لما علم بها. وبناءً عليه، عُقد اجتماع بين حاكم المصرف المركزي ووزير الطاقة، أمس، قرر المصرف المركزي إثره توجيه إنذار أخير إلى السلطة: إذا لم تتخذ التدابير اللازمة فإنه لن يتحمّل مسؤولية وقف الدعم. وهو قال إنه «سيُتابع منح أذونات لفتح اعتمادات استيراد محروقات شرط عدم المس بالتوظيفات الإلزامية» لديه، داعياً المسؤولين إلى اتخاذ التدابير اللازمة كون ذلك «ليس من صلاحيته».
تؤكد المصادر أن إحدى الشركات عرضت على وزارة الطاقة السماح لها بإدخال شحنة من البنزين 98 أوكتان لبيعها وفق سعر السوق، إلا أن الوزارة رفضت الأمر، على اعتبار أن ذلك سيفتح الباب أمام كثير من الفوضى، وحتى الغش، حيث يُخلط البنزين المدعوم بغير المدعوم ويُباع وفق سعر السوق.
عادة، لا يعني تجفيف السوق من أي مادة مدعومة سوى أمر واحد: التمهيد لرفع الدعم. فإذا بقيت الخزانات ممتلئة لن يضمن أحد عدم بيعها على السعر الجديد. لكنّ الحكومة، لم تسع إلى تخفيف معاناة الناس، وحسم مسألة ترشيد الدعم مبكراً، كي يتسنّى للناس الاستعداد لهذه الخطوة أو التأقلم معها. في لبنان، لا بد من سلوك الدرب الأصعب. هم يريدون أن يتحوّل رفع الدعم إلى مطلب شعبي! وهو ما بدأ يحصل بالفعل، حيث يطالب البعض برفع الدعم لإنهاء حالة الذل التي يعيشونها.
لكن في المقابل، سبق أن سعت جهات عدة إلى طرح أفكار تتعلق بترشيد الدعم، إلا أن مصرف لبنان لم يتجاوب. آخر هذه الاقتراحات قدّمه «تكتل لبنان القوي»، بإعلانه عن خطة للترشيد، تنص على تخفيض الدعم على المازوت والبنزين من 90 إلى 60 في المئة. أما أول خطة رسمية قُدمت، فقدّمتها وزارة الطاقة في اجتماعات اللجنة الوزارية لرفع الدعم، لكنّ الاقتراح اكتفى بوضع فرضيات، على اعتبار أن الوزارة ليست هي من سترفع الدعم، بل المطلوب من مصرف لبنان أن يحدد كم يحجز من الأموال من أجل دعم هذه المواد، ليبنى على الشيء مقتضاه.