أزمة الدعم… والحلّ الواقعي

لقد بات الجميع أمام استحقاق داهم، فيما يتخبط المسؤولون في اعتماد الخيار الأنسب للحد من تداعيات هذه الأزمة الزاحفة. خصوصاً مع ندرة العملة الصعبة في البلاد، وعدم إمكان استمرار الدعم من الاحتياط الالزامي أي ممّا تبقى من أموال المودعين، في ظلّ تجاوز هذا الاحتياط الخط الأحمر سلباً، وهو أمل المودعين الأخير، بعد أن استنزفت الدولة مدّخراتهم طوال ثلاثين سنة، في مسلسل الديون والفوائد الفاحشة والهدر والفساد ودعم تثبيت سعر صرف الليرة قسراً، وصولاً إلى دعم السلع منذ العام 2019، الذي استنزف نحو 15مليار دولار إضافية من هذه الاموال، ذهب جزء منها لمصلحة مافيات التهريب والتخزين وكبار التجار والمضاربين.

لا شكّ في أنّ العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل الأزمة هي من سابع المستحيلات. لأنه في الأساس، لم يكن هذا الوضع يعبّر عن الواقع الاقتصادي الحقيقي للبلاد. فالرفاهيّة النسبية التي كان ينعم بها الشعب اللبناني، كانت قائمة على الديون والفوائد والاقتصاد الريعي، وليس على الانتاج الوطني. وبالتالي كان السعر الرسمي لليرة مصطنعاً وخارج قواعد علم الاقتصاد والمال. من هنا، فإنّ المرحلة تقتضي حلولاً استثنائية وعاجلة، من النوع الذي يضمن استمرار مؤسسات الدولة وتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين ولو بالحدّ الأدنى، وذلك بانتظار حلول جذرية، قد تحملها المتغيرات المقبلة على أكثر من صعيد، لا سيّما لجهة إجراء الحكومة الإصلاحات المطلوبة وفق شروط صندوق النقد الدولي، وبالتالي الحصول على قروض ميسّرة منه، كفيلة بضخّ الروح مجدداً في جسم الاقتصاد الوطني.

وفي دراسة واقعية للإمكانات والحاجات، نرى أنّ البلاد تقف أمام استحقاقات وأخطار لا تحمد عقباها في حال رفع الدعم من دون مقابل، وفي مقدّمها، شلّ حركة المؤسسات العسكرية والأمنية وضرب الروح المعنوية لدى عناصرها. لذا، لا بدّ من حل سريع لأزمة الدعم، وهو غير مستحيل، ويقوم على أربعة عناصر:

– منح زيادة أجور لموظفي القطاع العام ومتقاعديه بنسبة مئة بالمئة.

– منح البطاقة التمويلية لكلّ من يرغب من سائر المواطنين.

– العمل على تثبيت سعر صرف الليرة عند رقم يتراوح بين 15000و20 الف ليرة للدولار الواحد، وذلك للحفاظ نسبياً على القيمة الشرائية للأجور بعد زيادتها من جهة، ومنع كبار التجار والمضاربين من شراء الدولار من الأسواق في حال انخفاضه دون رقم الـ 15000من جهة أخرى.

– رفع الدعم كلياً عن جميع السلع.

إن تكلفة زيادة الأجور تبلغ نحو 450مليون دولار سنوياً، فيما تكلفة البطاقة التمويلية بعد استثناء موظفي القطاع العام ومتقاعديه تبلغ نحو 500مليون دولار.

النتيجة النهائية لهذا الحل، تتلخص في توافر جميع السلع في الاسواق، والقضاء على التهريب والتخزين كلياً، وتقليص فاتورة الدعم من 8 مليارات دولار سنوياً إلى مليار دولار سنوياً، وربما أقل من ذلك، في حال احتسبنا المساهمات المالية التي سيقدمها البنك الدولي.

في وسط الأزمات المعقّدة، لا مكان لمقولة “نريد كلّ شيء أو لا نريد شيئاً، بل لا بدّ من المفاضلة بين السيئ والأسوأ، واعتماد خيار أفضل الممكن بانتظار التحولات الكبرى…

مصدرنداء الوطن - العميد المتقاعد دانيال الحداد
المادة السابقةإعتماد لباخرة غاز… ولا انقطاع الأسبوع المقبل
المقالة القادمةالأمن العام: إلزام محطات فتح ابوابها وبيع مخزونها بالسعر الرسمي