ما إن لوح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم عن الدواء نهاية العام بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، حتى هرع الناس وخصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة إلى تخزين أدويتهم في المنازل.
وعلى غرار ما حصل في بداية أزمة المصارف، يهرع المواطن لتأمين ما استطاع من دواء خوفاً على صحته وما تبقى له من حياة، ما يتسبب بشح في عدد كبير من الأدوية في الصيدليات بكافة المناطق.
هذا الأمر جعل نقيب الصيادلة غسان الأمين يدق ناقوس الخطر معلناً عن خطر حقيقي يهدد المواطن اللبناني في حال تم رفع الدعم عن الدواء كما أشار حاكم المصرف.
وفي وقت بات فيه الأمن الصحي للمواطن مهدداً، ووسط تساؤلات الرأي العام عن كيف ستواجه وزارة الصحة هذه الأزمة بعد أن باغتها وباء “كورونا” في لبنان في ظل أزمة اقتصادية غير عادية تشهدها البلاد، كان لـ “الاقتصاد” حديث خاص مع وزير الصحة حمد حسن الذي أكد أن حماية الدواء مسؤولية الدولة اللبنانية ومصرف لبنان أيضاً، مشيراً إلى أن هذه المهمة تقع تحت عاتق كل من وزارتي الصحة والمالية والحكومة مجتمعة والرؤساء الثلاثة.
وبصرامة مطلقة قال الوزير حسن: “لن نترك المواطن اللبناني يئن ويعاني بهذا الموضوع.”
واستهل حديثه عن ضرورة تحمل مسؤولية اطلاق أي إعلان أو أي قرار خاصة من موقع مسؤول، مشيراً إلى أنه “من الضروري أن يكون مدروساً خصوصاً تداعيات التصاريح التي نقولها لأنه من غير المسموح أن نجعل العالم تعيش بقلق بسبب حسابات سياسية أو أبعاد أخرى بهذا التوتر، وهذا القلق الذي من الممكن أن يكون جزءا منه واقعياً لكن من غير المقبول أن نطلق العنان للتصاريح من دون أن نعرف تداعياتها على معنويات الجمهور”.
وعند سؤاله عن إمكانية رفع الدعم عن أدوية دون أخرى والآلية التي سيتم اتباعها صرح الوزير لـ “الاقتصاد” قائلاً: “نحن ندرس حالياً هذا الموضوع مع لجنة الصحة النيابية وهذه الفكرة مطروحة لإعادة تصنيف الأدوية وترتيبها بحسب الأولويات”.
لدينا أدوية ذات صناعة محلية، ومن الأساس طُرح قبل الأزمة المالية أن يتم رفع الدعم عن الأدوية المستوردة التي لها رديف في السوق اللبناني وفي الصناعة المحلية للأدوية بنوعية وفعالية وكفاءة الدواء الأجنبي”.
وتناول وزير الصحة في حديثه دواء المسمّى “generic”، وقال إن هذا الدّواء هو وفقاً لقانون عالمي يجري تصنيعه بعد 10 سنوات من صناعة الدواء الأصلي صاحب العلامة التجارية وبراءة الاختراع، بحيث أن الـ “generic” هو نفس الدواء وبنفس التركيبة وتكلفته تكون أقل من الدواء الأصلي.
وقال حسن: “نستطيع في مرحلة لاحقة إبقاء الدعم على الـ “generic” المستورد ونلغيه عن “brand”، مع إمكانية إبقاء الدعم على الـ “brand” الذي ليس له رديف أو مثيل بالسوق المحلية”.
وأضاف، أنه حين يتم العمل على تصنيف معين بشكل مدروس وغير عشوائي، يمكن الوصول إلى الهادف في تقليص الفاتورة الدوائية الرسمية دون المس بالأدوية التي يحتاجها المواطن بكل أنواعها.
وتطرق إلى مسألة تهريب الأدوية، موجهاً تحية للأجهزة الأمنية والجمارك في المرافق البرية والبحرية والجوية التي تعمل جاهدة لمنع تهريب الأدوية المدعومة إلى خارج لبنان.
وعن التنسيق مع نقابة الصيادلة قال وزير الصحة:” نقيب الصيادلة زميل ونحن دائماً على تواصل سوياً وبعض ما قاله هو نتيجة ما قلته بأن الإعلان المسبق عن رفع الدعم سواء أكان جزئياً أو كلياً فإنه يؤدي إلى التوتر عند المواطنين مما يجعلهم يهرعون لشراء الأدوية وتخزينها في منازلهم ما يتسبب بشح في بعض الأصناف بالسوق.”
وختم متمنياً على المواطن اللبناني الذي يتفهم الوضع الاقتصادي جيداً أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التحديات وأن لا يعمد إلى تخزين الدواء، وأن يكون مشاركاً بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا الاستنزاف”.
نقيب الصيادلة: رفع الدعم عن الدواء انتحار ولن نبقى مكتوفي الأيدي
وفي السياق أطلق نقيب الصيادلة غسان الأمين صرخة عبر “الاقتصاد”، محذّراً من عدم إيجاد حلول سريعة، ومشدداً على أن رفع الدعم عن الدواء بمثابة انتحار، كما تخوف من تدهور الأمور بأن يصبح الدواء المزوّر مكان الدواء الجيد.
وقال الأمين: “منذ زمن ونحن نقول أن الأدوية الـ “generic” لا تحمل الخزينة مصاريف كما يفعل الـ “Brand”، ولكن لم يكن هناك آذان صاغية حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من الإنهيار، واستبدال الأدوية الـ “generic” بالـ “brand” لا تتم بين ليلة وضحاها.”
وأشار إلى أن “المشكلة الحقيقة تكمن بأن لبنان يستورد كمية كبيرة جداً من الأدوية التي تحمل علامات تجارية مكلفة (Brand) وليس من السهل أن يحل محل هذه الكميات التي لها “generic” بسرعة، هناك مرحلة لهذا الانتقال سيأخذ وقتاً، وصناعة الأدوية ليست سهلة وسريعة وهي تغطّي 75 % من حاجة الناس من الفاتورة الدوائية ونحن بحاجة الى خطة إذا أردنا الانتقال إلى هذه الصناعة.”
مضيفاً بأن الـ “generic” فكرة مهمة جداً وقانونية ولكن تحتاج سنة ونصف على الأقل.
وأوضح قائلاً:” السياسة الدوائية خاطئة من الأساس فالـ “generic” المستورد والـ “brand” في لبنان أسعارهما متقاربة في حين يجب أن يكون هناك فارقاً واضحاً في السعر بينهما لتكون الفاتورة الدوائية أقل، ولكن للأسف هذا غير موجود هنا، لذلك يجب تغيير التسعيرة للـ “generic” المستورد قبل إبقاء الدعم عليه”.
وصرح النقيب بأن قيمة استيراد الأدوية سنوياً تبلغ 1.4 مليار دولار مشدداً على أنه اعتماد سياسة دوائية فاعلة وتوفّر الـ “generic” كان كفيلاً بتخفيض حجم الاستيراد تقريباً إلى 500 مليون دولار سنوياً.
وأضاف “كما في دول العالم، على سبيل المثال الأردن عدد سكانها ضعف سكان لبنان يقدر استيرادها للأدوية 500 مليون دولار ولديهم 70% “generic” من الفاتورة الدوائية، ويعود ذلك للسياسة الدوائية الناجحة هناك.
وعن شح الدواء في الصيدليات والمخازن قال الأمين، إن هناك نقصاً في 250 دواءً.
وختم نقيب الصيادلة بأن وزير الصحة يبذل جهده مع حاكم مصرف لبنان لعدم رفع الدعم عن الدواء بشكل مفاجئ بل يسعى لاعتماد آلية تدريجية لذلك.