أزمة السير تتفاقم.. واللبنانيون يطلبون “القطار” ؟

قد يكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي استغنى عن خدمات سكك الحديد، وإن كان ذلك بفعل الحرب والأحداث. إلا أن عدم الاهتمام بإنعاش هذا المرفق الحيوي يشكّل نقطة سوداء على جبين الدولة وحركة المواصلات حيث أن القطارات أحد ابوابها الرئيسية.

وفي ظل أزمة السير التي باتت تشكل مصدر اختناق يومي للبنانيين، يعود الحديث اليوم عن ضرورة تأهيل وانشاء سكك الحديد في لبنان،  لاسيما وان على الاقتصاد اللبناني أعباء كبيرة في ظل غياب اي خطة جدية لتحسين النقل العام، واستبدالها بخطط مكلفة لا تحل الأزمة بل تزيدها تعقيدا مع مرور الزمن.

يتصور اللبنانيون كم كانت ستكون حياتهم أكثر راحة لو ان هناك مشروع نقل مشترك على غرار سكك الحديد يوصل المناطق اللبنانية بعضها ببعض، وكم ان هذا الحل سيوفر عليهم عناء الوقت والإنفاق.

ووسط الأزمات الاقتصادية التي يعيشها المواطن اللبناني، تراه يبحث عن بصيص أمل ليخفّض من انفاقه، فهو يصارع الوقت في زحمة السير ويتخبط والغلاء المعيشي في المدينة مع ارتفاع أسعار المحروقات.

يقول “سامي” (اسم مستعار) “احلم بالعودة الى قريتي حيث النظافة والنقاء والهدوء والحياة البسيطة، بعيدا عن كل هذه الكلفة العالية التي نتكبدها في المدينة وما يرافقها من تلوث وأمراض وتوتر وضغط نفسي يومي، لكن لا حول لي ولا قوة، فلا وظائف في القرية وإني مضطر للتأقلم مع هذا الواقع المرير فلا بديل امامي، ولا يمكنني السكن في القرية التي تبعد ساعتين عن أبواب المدينة ناهيك عن زحمة السير داخلها”. يتابع سامي ” كم أتمنى لو أن هناك قطار يصل المناطق ببعضها البعض، لما انتظرت لحظة واحدة لأعود الى قريتي فاستقل القطار الذي سيسهل الوقت والكلفة والتعب عليي، لكن المسؤولين لا يريدون حلول للمواطنين بل ما يهمهم ما يعود على جيبهم بالمنفعة النقدية جراء السمسرات والصفقات”.

في الدول الاخرى، مسافة الساعة التي يحتاجها السكّان خلال الانتقال بالسيارة، تستغرق معهم عشر دقائق في القطار ، أما في لبنان فـ “المشوار” البسيط الذي يستغرق ربع ساعة بات يحتاج الى خمسة وأربعين دقيقة بسبب الازدحام وسوء تنظيم الطرقات.

ولكن عمليا، ما تفعله الدولة اللبنانية لحل أزمة السير المتفاقمة يوما بعد يوم، هو توسيع طريقٍ هنا أو بناء جسرٍ هناك، ما يجعل من هذه المعالجة مرحلية لا تثمن بشيء سوى انها تكلف الخزينة اموالا طائلة دون الحصول على حلول مستدامة.

آخر، انجازات الحكومة كان جسر جل الديب مثلا، وحاليا ما سيتم البدء بتنفيذه سواء توسيع اتوستراد جونية ،كما انشاء اتوستراد الضبية – العقيبة، يضاف اليهم جسر شتورا – ضهر البيدر الذي ما زال قيد التنفيذ منذ عشرات سنين.

مشاريع يقرها مجلس الوزراء بملايين الدولارات لتنفيذها، وتحتاج بمجملها لعملية استملاكات كبيرة ودفع تعويضات بالمليارات، والنتيجة ان لا نتيجة في ظل تزايد عدد السيارات وارتفاع الغلاء المعيشي وعدم قدرة المواطن على العيش في الريف طالما عمله في المدينة.

وعلى الرغم من أن وزارة الأشغال أجرت دراسة أولية في العام 2014 مموّلة من الاتحاد الاوروبي لإنشاء سكة حديد من بيروت الى طرابلس، كما اتخذت قرارا بتكليف استشاريين لوضع الدراسات لاعادة احياء شبكة خطوط النقل السككي بلبنان من الحدود الشمالية الى الحدود الجنوبية ومن بيروت الى البقاع، الا أن الامور لا تزال تراوح أدراج الوزارة، في حين  أننا نتجه الى أزمة كبرى اذا استمرّينا في العمل بعيداً عن انشاء وسائل نقل عام عبر سكك الحديد. فالدولة التي تفكّر استراتيجياً تتجه الى هذه الخيارات، لأن هناك جدوى اقتصادية كبيرة منها والمردود المالي يغطّي كلفة تشغيله وعلى المدى البعيد يغطي من تكاليفه التنفيذية.

جميع الخبراء يجمعون على أن مشروع النقل السككي هو الحل الامثل من كل النواحي، لجهة كلفته المنخفضة نسبة لما يتم انفاقه على الاتوسترادات، كما انه حل مستدام الى جانب كونه مصدر ربح نتيجة نقل البضائع، وليس بحاجة لعملية استملاكات كون السكك وأراضيها لا تزال موجودة على كافة الأراضي اللبنانية، كما يخفف هذا المشروع معاناة اللبنانيين لجهة الوقت والإنفاق فيستطيع بذلك ابن طرابلس ان يسكن فيها ويعمل في بيروت مثلا لأن عامل زحمة السير والوقت الطويل سينتفي بوجود القطارات.

وإذا ما أردنا حل أزمة السير بشكل جدي وفعّال، فعلينا بداية البحث عن القرار السياسي، قرار يدفع الى وضع خطط جدية ومستدامة تؤسس لنقل عام مشترك، منظّم وآمن يخفف عدد المركبات على الطرق والتي تزداد بشكل كبير في وقت لم تعد طرقات لبنان تستوعب هذا العدد الهائل… والحل إذا بقطارات لنقل الركاب والبضائع…

مصدرالسياسة
المادة السابقةمصادر وزارة العمل : لن نتراجع عن تطبيق قانون العمالة الأجنبية غير الشرعية
المقالة القادمةالموازنة: مشروع الحسابات الخاطئة والعجز الوهمي!