لم تحلّ أزمة تكدّس الحاويات في المرفأ كما تم الاعلان عنه من قبل المعنيّين، لأنّ الحلحلة الجزئية التي تحققت خلال هذا الاسبوع نتيجة الضغط الذي مارسته نقابة مستوردي المواد الغذائية، ليس حلّاً مستداماً، إذ انّ حضور المراقبين للكشف على البضائع يوما واحدا في الاسبوع لا يكفي لتسريع وتيرة تخليص البضائع المكدّسة. ورغم ان الجهود أسفرت عن تفريغ 500 حاوية هذا الاسبوع إلا انّ هناك حوالى 700 حاوية اخرى في طريقها الى لبنان، لن تجد من يكشف عليها بسبب دخول البلاد في عطلة رسمية تستمرّ لغاية الاربعاء.
اشار وزير الزراعة امس الى انّ البلاد «في حالة حرب بكل ما تعني الكلمة من معنى»، والى انّ هناك مشكلة كبيرة على صعيد عملية التصدير وان المواسم الزراعية بخطر، مُحذراً من انّ «وقف كل الاستيراد والتصدير يعني اننا نقول اننا بتنا بلداً مفلساً».
جاء كلام الوزير بسبب تداعيات الاضراب المفتوح الذي ينفذه موظفو القطاع العام والذي عطّل حركة تخليص البضائع عبر كل المعابر، خصوصاً في مرفأ بيروت الذي يشهد تكدّسا كبيرا للحاويات، مما أثّر سلباً على عمليات التصدير والاستيراد وكلّف القطاع الخاص أعباء مالية اضافية هو في غنى عنها في ظلّ الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمرّ بها، خصوصا انّ تلك الاعباء ستُحمّل في نهاية المطاف الى المستهلك وبالنتيجة الخسارة واقعة لا محال على الاقتصاد ككل.
ورغم ان وزيري الزراعة والصناعة عقدا امس الاول مؤتمرا صحفيا من مرفأ بيروت للاعلان عن حلّ الازمة وبدء تخليص الحاويات، ورغم انه بالفعل تمّ تفريغ 500 حاوية تحوي مواد غذائية وتسليمها الى اصحابها امس من اصل 800 حاوية، إلا ان الازمة لم تحلّ سوى مؤقتا وجزئيا، إذ انّ هناك 700 حاوية جديدة في طريقها الى لبنان في الايام المقبلة التي تشهد عطلة رسمية تستمرّ لغاية الاربعاء، مما يعني ان البضائع ستتكدّس من جديد في المرفأ وستعود الازمة الى نقطة الصفر.
في هذا الاطار، أوضح نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني البحصلي لـ»الجمهورية» ان الجهود التي قامت بها النقابة على مستوى رئيس الحكومة مروراً بالوزارات المعنيّة أدّت الى الضغط من اجل إيجاد «حَلحلة» جزئية وليس حلّاً لأزمة تكدّس الحاويات في المرفأ، حيث تم الاتفاق على ان يلتزم مراقبو وزراة الاقتصاد بالعمل يومين بالاسبوع من اجل الكشف على البضائع وتخليصها، «لكن المراقبين لم يعملوا سوى يوم واحد خلال هذا الاسبوع، وهذا هو اليوم الذي سمح بتخليص حوالى 500 حاوية إذ استمرّوا بالعمل في المرفأ لغاية التاسعة مساء، لكنّ يوماً واحداً في الاسبوع وحتّى يومين لا يكفيان لمعالجة الازمة، حيث سيبقى هناك تأخر مدّته 3 ايام اسبوعيا في تخليص البضائع، وسيتواصل تكدّس الحاويات، خصوصا اننا مقبلون على عطلة رسمية وهناك بواخر في طريقها الى لبنان لن تنتظر انتهاء العطلة».
اضاف: رغم انّ باحة الكشف كانت امس فارغة، إلا ان هناك حوالى 700 حاوية ستصل الى المرفأ في اليومين المقبلين.
واشار البحصلي الى الاعباء المالية الاضافية التي سيتكبّدها التجار نتيجة رسوم الارضية والتخزين الاضافية الناتجة عن توقف عمل موظفي الوزارات المعنّية والتأخير في تخليص البضائع، لافتا الى انّ التقديرات تشير الى خسارة بقيمة تتراوح بين 100 و150 الف دولار عن كلّ يوم تأخير في تخليص البضائع، سيتحمّلها الاقتصاد المتدهور والذي لا يتحمّل تعريضه لمزيد من الخسائر.
وشرح انّ الكلفة الاضافية للتخزين وارضية المرفأ سيتحمّلها المستوردون اي التجار، وهي تتراوح بين 2 و5 في المئة ارتفاعاً في اسعار السلع، «إلا انه سيصعب ترجمتها ارتفاعا في اسعار السلع وتحميلها للمستهلك، لأنه سيكون هناك اختلاف في اسعار السلعة نفسها في السوق، نتيجة وجود بضائع قديمة من السلع نفسها لم تتكبّد شحناتها رسوماً اضافية على غرار الشحنات الحالية، وبالتالي ستكون أسعارها أقلّ، مما سيضطر التجار الى تحمّل تلك الخسائر التي ستترجم بدورها تراجعاً في اعمالهم قد يؤدي الى تسريح عمال او حتّى تدهور اوضاع بعض التجار الصامدين حالياً «على إجرٍ واحدة».
واعتبر البحصلي ان الخسارة واقعة لا محالة، وسيتحملها إما المواطن اي المستهلك او التاجر، وهي واقعة بالتالي على الاقتصاد، مشيرا الى انّ الأزمة التي وَلّدها اضراب موظفي القطاع العام، ورغم ان مطالبهم محقة، إلا انها ستؤثر بشكل اضافي عليهم لناحية ارتفاع الاسعار ومزيد من التراجع بقدرتهم الشرائية في ظلّ عدم زيادة رواتبهم.
وسأل: هل الكلفة الناتجة عن تعطيل عملية تخليص البضائع والمقدّرة بحوالى 150 الف دولار يوميا من دون احتساب الخسائر التي قد تنتج عن احتمال تلف بعض البضائع، هي أكبر من كلفة معالجة وضع 40 او 50 مراقباً قادرين على حلّ هذه الأزمة من خلال التزامهم بداوم العمل؟
وختم البحصلي مؤكداً ان البضائع التي تعرّضت للضرر نتيجة التأخر في تخليصها او التي انتهت صلاحيتها لن تدخل مطلقا الى الاسواق، مشددا على ان البضائع كانت تخضع للكشف والى الفحوصات المخبرية قبل إدخالها. ورغم ان الدولة لا تملك سوى خيارين لحلّ الأزمة، إما تخليص البضائع من دون الكشف عليها، وهو الامر المرفوض قطعاً، او من خلال معالجة رواتب موظفي القطاع العام، إلا اننا في الحالتين لن نرضى مطلقاً بإدخال اي سلعة من دون اجراء الفحوصات المخبرية للتأكد من سلامتها.