منذ أواخر التسعينيات، يتدهور قطاع النقل البري في لبنان من سيّئ إلى أسوأ، تحت مرأى الحكومات المتعاقبة التي لم يبذل أي منها جهداً كافياً لتحسينه والاستثمار فيه، من أجل تأمين النقل السريع للمواطنين، فاكتفت بـ«إغراق» السوق باللوحات العمومية تاركةً الناس يتدبرون أمورهم بسياراتهم الخاصة… إن وُجدت.
اليوم، مع تفاقم أزمة المحروقات بفعل الانهيار الاقتصادي، بات قطاع النقل الحضري، المُترهّل أساساً، مُهدّداً بـ «التفكك»، على ما يقول المهندس المتخصص في قطاع النقل رامي سمعان
الحديث عن «النقل السلس» كخيار بديل يأتي لما يُمثّله من خطوة مهمة للتخفيف من حدة الاختناقات المرورية، كما أن الترويج لاستخدام الدراجات الهوائية تمثّلاً بنماذج أوروبية، لا يأتي من منطلق بيئي فقط، بل من منطلق صحي أيضاً (بحسب المجلة الطبية البريطانية BMJ، فإنّ الناس الذين يذهبون إلى عملهم يومياً مستقلين الدراجات الهوائية أقل عرضة للإصابة بمرض السرطان بمعدل 45% وأقل بـ46% للإصابة بأمراض القلب والشرايين ممن يستقلون السيارات).
يستبشر رئيس اتحادات نقابات قطاع النقل البري في لبنان بسام طليس بالاتفاق الذي توصل إليه مع حكومة تصريف الأعمال على دعم قطاع النقل بعدد من صفائح البنزين والمازوت بأسعار مدعومة؛ إذ إن هذا الحل «يسند السائق من دون أن يحمّل المواطن العبء المادي». ومع أن العبرة في التنفيذ، يؤكد طليس أن الحكومة «مجبرة على تنفيذ مشروع الدعم، وإلا فستجني على نفسها، فالناس لن تسكت عندها».
حتى الآن، لا يبدو أن في حوزة الحكومة خطة استراتيجية تلحظ مصير قطاع النقل البري وتخفف من «الهلع» الذي ينتاب كثيرين من المُقيمين ممّن بات الوقوف في طوابير المحطات «روتينهم» اليومي. جزء كبير من هؤلاء، ورغم شكواهم من هذا الذلّ، يعيشون أيضاً هاجس رفع الدعم، خصوصاً بعد تصريح طليس قبل أسابيع عن إمكان وصول تسعيرة «السرفيس» إلى 14 ألف ليرة!، ولأن حل أزمة النقل في لبنان مرهون بالمنظومة السياسية ككل، وفق الاختصاصيين، شأنها شأن أزمة الكهرباء والمياه، وفي غياب السياسات الفعالة، ليس مستبعداً أن يصير التنقل في لبنان مقتصراً على من استطاع إليه سبيلا.