أزمة ثقة وتضامن حكومي.. السجالات تتمدّد إلى ما بعد الموازنة

 

تابع اللبنانيون على مدى شهر كامل من المدّة التي استغرقت مناقشة موازنة 2019 مسلسلاً طويلاً وشيّقاً تمّ فيه اكتشاف وقائع وأرقام صادمة عمّا يحصل في الوزارات والمؤسسات العامة، لكن الجزء الآخر من مسلسل الموازنة الطويل الذي لم يعد خافياً تمثّل في غياب الانسجام والتضامن الحكومي بعدما خرجت السجالات الى العلن بين مكونات الحكومة.

وصل الأمر في الجلسة السابعة عشرة إلى اعتكاف وزير المال في إحدى القاعات الجانبية من السراي الحكومي بعدما اعتبر الموازنة منجزة فيما كان وزير الخارجية جبران باسيل يُعلن أن الموازنة “بتخلص لما تخلص”، وليس سجال الوزيرين باسيل وخليل هو كل القضية فصراع الرجلين انسحب على رئيس الحكومة الذي حاول تدوير الزوايا والحسم ومنع الصراع المخفي والعلني من التأثير على الموازنة.

رغم قرار منع التسريب الذي فرضه رئيس الحكومة على مجلس الوزراء لم يكن خافياً وجود شبه اجماع داخل مجلس الوزراء على خطوات مستفزة من قبل وزير الخارجية جبران باسيل، انتقدت القوات كما وزير المال تأخر ورقة باسيل “الإنقاذية” التي تقدّم بها لإضافة أبواب على اقتراحات الموازنة لسدّ العجز. الواضح كما يقول أحد الوزراء أن باسيل حاول فرض معادلة “الأمر لي” في الموازنة وأن الموازنة لن تصدر إلا بعد إضافة تعديلاته واقتراحاته، وصل الأمر لوصف باسيل بأنه وزير مالية الظلّ في الحكومة .

من المآخذ أيضاً أن باسيل تصرّف كأنه رئيس حكومة أيضاً وحاول فرض قواعد وشروط وتحريك الموازنة وفق رؤيته الاقتصادية والتقشّفية، ومن وجهة نظر المنتقدين لباسيل فهو سعى لتحقيق بطولات وهمية في مشروع الموازنة فيما رأى باسيل إمكانية التوصل إلى موازنة أفضل ومحاولة تخفيض العجز من 7،6 بالمئة إلى 7 بالمئة، واستطاع رئيس التيار تسجيل انتصار في طروحات معيّنة حول غرامات وُضعت على عائلة العامل الأجنبي ومن يدخل البلاد خلسة ومن يعمل بشكل غير قانوني وعلى اللبناني .

رئيس الحكومة سعد الحريري حاول ضبط الوضع بهدف قطع الطريق أمام أي عوامل قد تؤدي إلى تأخير إنجاز الموازنة لما لها من تداعيات على مقررات مؤتمر “سيدر” والدول المانحة.

لم تتردّد القوات على لسان وزرائها بالتأكيد على أن ملاحظات باسيل أتت متأخرة في آخر جلسات الموازنة وهي أفكار سبق أن تمّت مناقشتها، أكثر من ذلك حاولت القوات تظهير أن هناك من لم يستمع لملاحظاتها وخطط قدّمتها توفّر أموالاً وتأتي بموازنة خالية من العيوب وأكثر تقشّفاً وإصلاحاً.

بالنسبة للقوات التي خاضت في التفاصيل والأرقام كان يُمكن ان تتضمّن الموازنة إجراءات إصلاحية أقوى وكان يُفترض إطلاق خصخصة قطاعات الاتصالات وإدارة المرافق العامة وإعادة النظر بواقع ووضع المؤسسات وإداراتها، ووقف التهرّب الضريبي والتهرّب الجمركي على المعابر غير الشرعية ورفع نسبة الإيرادات في المؤسسات والمرافق وقدّمت القوات خطة حول العدد الفائض من الموظفين الذين تمّ توظيفهم بعد قرار وقف التوظيف.

وجهات النظر المختلفة في طريقة إدارة ومقاربة الموازنة أظهرت وجود انقسام كبير داخل مجلس الوزراء أبعد من المقاربة الاقتصادية، هذه الخلافات جعلت الموازنة تسلك طريق إجراءات تفتقد الإصلاحات الكبيرة المتعلّقة بتحصيل الأموال من الأملاك البحرية والتهرّب الضريبي والجمركي وأن صراعات وزراء الحكومة مرتبطة بأبعد ما يكون بالاستحقاقات القادمة والتحالفات السياسية وأن الخلاف بعد الموازنة سينتقل إلى ملفات أخرى متشعّبة وأن السجالات السياسية باقية وسوف تتجدّد بعناوين أخرى مختلفة.

 

 

بواسطةمروى غاوي
مصدرجريدة الجمهورية
المادة السابقةالرئيس عون مطمئن الى مستقبل الوضع المالي والاقتصادي…
المقالة القادمةهل تحافظ الليرة على قيمتها؟