انسجاماً مع انخفاض سعر صرف الدولار في السوق الموازية، أصدر وزير الطاقة وليد فيّاض جدول تركيب أسعار جديد للمحروقات، حَمَلَ تراجعاً في الأسعار بمستويات مرتفعة جداً. لكن ترحيب المواطنين بالانخفاض، قابله تخبّطٌ لدى موزّعي المحروقات وأصحاب المحطّات. فهؤلاء ملزمون بالبيع بالليرة وفق تسعيرة جدول الوزارة، وعليهم شراء المحروقات بالدولار الذي لم يؤمَّن عبر المصارف، وفق قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فأقفلت الكثير من المحطات أبوابها، وبعضها باع وفق دولار السوق.
الدولار مفقود
استجدَّت أزمة المحروقات بفعل ربط جدول تركيب الأسعار بدولار المنصة وليس بدولار السوق. وفق ما يقوله عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات، جورج البراكس، الذي يشرح لـ”المدن”، أنه قبل يوم أمس، لم تكن أسعار المحروقات تتأثّر بتغيُّر أسعار دولار منصة صيرفة بشكل مباشِر، بل بانعكاسها على دولار السوق، فقد “استثنى الحاكم قطاع المحروقات من الحصول على الدولار عبر المنصة، فبات جدول تركيب الأسعار يعتمد على دولار السوق”.
أمّا وقد اعتمد وزير الطاقة وليد فيّاض دولار المنصة لتسعير المحروقات، فأصبح هناك هامش كبير بين دولار المنصة عند 38 ألف ليرة ودولار السوق عند نحو 45 ألف ليرة. “ولم يكن من المفترض حصول أزمة فيما لو أمّنت المصارف الدولار للموزّعين والمحطات. لكن المصارف قالت بأنها ستوفِّر الدولار بعد عيد رأس السنة، أي على الموزّعين والمحطات الانتظار لنحو أسبوع”.
وحسب البراكس، فإن مراجعة وزير الطاقة ومطالبته إصدار جدول بدولار السوق، أفضت إلى “عدم قدرته على مخالفة قرار الحاكم باعتماد دولار المنصة. وبالنسبة للوزير، فإن على الحاكم إعلان عدم تأمين الدولار لقطاع المحروقات على منصة صيرفة، وعندها يصدر جدول تركيب أسعار جديد بسعر السوق”. على أن أي حلول ممكنة، مُرَحَّلة إلى العام المقبل.
لم يبقَ لأصحاب المحطات سوى السوق لشراء الدولار. ودولار السوق لا يُباع بأقل من 45 ألف ليرة، ما يرتّب عليها خسائر كبيرة بانخفاض دولار السوق، فكيف بها مع دولار صيرفة غير المتوفِّر؟ ويذكر البراكس أن “المحطات لا يمكنها تمرير الوقت بالاعتماد على الدولارات المتوفّرة في أدراجها، لأنها مشتراة قبل نحو يومين بما يتراوح بين 47 و48 ألف ليرة، فيما بيع المحروقات سيتم على دولار 38 ألف ليرة”.
إجراءات إدارية
لا تخفي المصارف امتناعها عن الالتزام بقرار الحاكم. لكن امتناعها ليس بخلفية تعسّفية، أو “نية بعدم التطبيق”. فيؤكّد رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل أن “قرار الحاكم أتى في وقت حَرِج بالنسبة للمصارف. ففي هذه الفترة من السنة، تكون المصارف أمام استحقاقات إدارية سنوية، وهي بالتالي تحتاج بعض الوقت لتنفيذ قرارات الحاكم”. ويشير إلى أن “المصارف ستؤمّن الدولارات بدءاً من يوم الثلاثاء المقبل”.
بالتوازي، ترى مصادر مصرفية أن امتناع المصارف عن إعطاء الدولار على المنصة، لا يعود لأسباب إدارية مرتبطة بجردات نهاية العام، بل بـ”رغبة المصارف فرض سقوف وشروط على آليات السحب، ومنها مثلاً، فرض سقف شهري بـ100 مليون ليرة أو 3000 دولار لكل حساب. كما فرض سحب المبلغ دفعة واحدة بلا تقسيط. أو اشتراط أن يكون المستفيد قد سَحَبَ سابقاً على المنصة، وعدم فتح الباب أمام مستفيدين جدد، بالإضافة إلى شروط أخرى يتم نقاشها”. على أن تظهر النتائج “يوم الثلاثاء المقبل”.
وأمام تريُّث المصارف، أعلن سلامة إمكانية التوجّه إلى أي فرع من فروع بنك الموارد للاستفادة من عمليات صيرفة “إذ أن المصرف المذكور وافق على تنفيذ هذه العمليات”. ودعا الحاكم “المصارف المستعدة لأخذ خطوة مماثلة بالتفضُّل من مصرف لبنان بالطلب كي يوافق عليها”. ووصفت المصادر هذه الخطوة بأنها “رسالة للمصارف الأخرى، مفادها أن هناك مصارف مستعدّة وملتزمة بالقرارات”. كما لم تُخفِ المصادر “ارتباط هذا الإعلان بجوانب شخصية وخاصة، ذات دلالات أبعد من عملية تنفيذ القرار الأخير”.
السبيل المفتوح من باب بنك الموارد “متاح للأفراد وليس الشركات”، وفق ما أوضحه تجمّع الشركات المستوردة للنفط، الذي أشار في بيان، أنه أجرى “اتصالاً مع إدارة بنك الموارد، وأكدت أن العمليات متاحة فقط للأفراد، ووعدت بأن تُراجع مصرف لبنان في ما خصّ إمكانيّة تزويد المحطات بالدولار. ونتيجة لذلك، لم يتمكّن أصحاب المحطات والموزعون حتّى الساعة من تأمين الدولارات لشراء المحروقات. والواقع أنّ المحطّات باعت خلال النهار الكمّيات الموجودة لديها، فيما أقفل العديد منها إما لنفاد المحروقات، أو خوفاً من عدم القدرة على تأمين الدولارات على سعر 38000 ليرة”.
بعيداً من تعقيدات الإجراءات الروتينية بين المصرف المركزي والوزارات والمصارف. وبعيداً من الرسائل المشفَّرة بين المتخاصمين، فنقطة الارتكاز هي دخول البلاد في عطلة أعياد بلا محطات محروقات، ما يستتبع أزمة طوابير وسوق سوداء تستعيد المشاهد السابقة، وهو ما بدأت بعض بوادرها بالظهور، إذ تلجأ بعض المحطات التي فضّلت فتح أبوابها، إلى البيع بدولار السوق. أما مَن التزم بجدول الوزارة، فلن يستمر لأكثر من يوم أو يومين “انطلاقاً من التزام أخلاقي مع الزبائن”.