ما يشهده لبنان من انهيار اقتصادي ومالي كامل وفَشل في الإدارة الاقتصادية، لم يحصل لأي دولة في العالم خلال التاريخ الحديث إلا في قلّة من الدول الفاشلة. ولم تفلح جميع الإجراءات الاقتصادية والمالية التي اتخذتها الحكومة أو التعاميم الصادرة عن القطاع المصرفي منذ تشرين الاول 2019 سوى بإضافة المزيد من التشوهات الاقتصادية والمزيد من الهدر والفساد الى نظام اقتصادي يتّسِم أساساً بالفساد وعدم الاستدامة.
هذه هي وجهة نظر المراقبين والمحللين الماليين الدوليين الذين يعتبرون أنه أصبح واضحاً اليوم أنّ المؤسسات والسياسيين اللبنانيين غير قادرين على تصميم وتنفيذ برنامج إنقاذ اقتصادي لإخراج البلاد من الأزمات الاقتصادية والمالية التي تواجهها. عاجلاً أم آجلاً، لن يكون أمام لبنان خيار سوى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ.
يشدد أحد المسؤولين الماليين الدوليين، انه على الطبقة السياسية في لبنان التوقف عن إلقاء اللوم على القوى الخارجية أو على تخلّف الحكومة عن سداد السندات الدولية (يوروبوندز) في ربيع 2020، في التسبب بالأزمات الحالية. مؤكداً انّ الأزمات التي يواجهها لبنان محلية الصنع وزُرعت بذورها في أوائل التسعينات عندما تدخل السياسيون في إدارة السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف، منتهكين قانون النقد والتسليف الذي يمنح مصرف لبنان الاستقلالية بهذا الخصوص، “مما شكل انحرافاً واضحاً عن الدور الذي لعبه مصرف لبنان منذ أن بدأ عمله في العام 1964، حيث عمل تاريخياً، كبنك مركزي مستقل ولم يكن للسياسيين أي تأثير على أدائه في إدارة سياسات سعر الصرف والسياسات النقدية.
وقال: هذا ما يفسر أسعار الفائدة البالغة 40 في المئة والتي تم تسديدها على سندات الخزينة الصادرة عن مصرف لبنان في العام 1995 في وقت كان سعر صرف الليرة اللبنانية يشهد ارتفاعاً. واضاف: “مع مرور الوقت، وحتى عندما انخفضت أسعار الفائدة إلى نطاق 10-15 في المئة، انضمّت المصارف والأفراد إلى هذا المخطط واندفع السياسيون إلى إنشاء بنوكهم الخاصة للاستفادة منه، وأصبحوا حُماة النظام المصرفي الذي جعلهم أغنياء على حساب النموذج الاقتصادي غير المستدام.
بالاضافة الى ذلك، اشار المسؤول الدولي الى ان تثبيت سعر الصرف واستخدام سياسة أسعار الفوائد للدفاع عن سعر الصرف الثابت من دون وجود سياسات اقتصادية كلية داعمة، قد دمّر تنافسية الاقتصاد اللبناني. واكد المسؤول الدولي انه حان الوقت لصانعي السياسات في لبنان أن يستيقظوا ويفهموا أنّ هناك خيارين للبلاد لمعالجة أزماته الاقتصادية والمالية: التعديلات الاقتصادية المنظمة أو غير المنظمة. “وما يحدث حالياً هو تعديل غير منظم يؤدي إلى مزيد من البؤس والمصاعب للسكان والمزيد من الدمار للاقتصاد. لغاية الآن، كان هذا هو الخيار في لبنان. امّا البديل، فهو برنامج إنقاذ منظّم يدعمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين سيعملان على استقرار الاقتصاد في اطار خارطة طريق متناسقة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي مع مرور الوقت.
في ظل برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي (تخفيض قيمة العملة، تخفيض قيمة الودائع، التضخم، الانكماش الاقتصادي…) كان الاصلاح والانقاذ ليكون أقل صعوبة بكثير مما تشهده البلاد منذ تشرين الاول 2019. وختم: انّ الشرط المسبق للتفاوض على أي برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي هو وجود حكومة متخصصة ومستقلة، يكون ولاء وزرائها للبنان فقط وليس لحزب سياسي أو أمير حرب.